صناعة "التونة" في مدارسنا!!
خالد بن محمد الشبانة
سبَّب عدم كفاية مدارس التعليم العام، في كثير من أحياء الرياض – مثلاً - بسبب تملُّك تجار العقار المرافق التعليمية في تلك الأحياء، تزاحم قبول الطلاب، وتكدس الطلاب في الفصول، حتى تراصّت اللحوم، وتبلدت العقول، وتكدرت النفوس، وبقي أن يختنقوا من الهواء المعدوم!!
لا أدري، هل يظنون الفصول كالتمر! إذا ضمد بالضغط، وسحب الهواء، يكون أكله لذيذاً، بعد خروج الدبس منه؟؟
فقد وصلت قوائم الانتظار إلى أعداد مهولة في مدارس البنين والبنات!
ووصلنا إلى الواسطة للقبول في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية؟
أصبح العدد في الفصول غير منطقي في حسابات التربية والتعليم؛ فإن كان العدد المعتبر "25" طالباً في الفصل الواحد "2*1م" لكل طالب، فإنه اليوم يصل لـ"45" طالباً في متوسط المعادلة أو يزيد.
تلك الفصول أصحبت كعلبة "تونة السردين"، لكنها أفضل! لأن فيها موادَّ حافظة، أما الفصول فلن تلبث أن تتعفن؛ بسبب التكدس؛ فتفسد، ولن يتعلم الطالب التعلم المنشود، ولن يستطيع المعلم أن يمارس استراتيجيات التدريس، ومهارات التواصل مع الطلاب.
فإن قال قائل: إن نظام القبول الإلكتروني "نور" يضمن لك قبولاً لابنك أو ابنتك!!
أقول: إنه نظام جامد، لا يعرف مشاكل الناس وظروفها، ولا يقدر المسافات والطرق والزحام..
فإنك إن سجلت ابنك أو ابنتك في مدرسة بجانب منزلك، وكانت مكتفية من العدد، فإن "نور" يوفر لك قبولاً في جهة أخرى بعيدة، يستحيل التكيُّف مع موقعها.
والمدارس الحكومية في مواصفاتها ومقاييسها لها عدد محدد، وأضحت اليوم تزيد إلى الضعفين والثلاثة!!
ثم نحزن!! لأن طلابنا لا يحبون المدرسة؛ حيث لا يجدون هواء صحياً، ولا فناء واسعاً، ولا دورات مياه نظيفة، ولا صيانة دورية، وغير ذلك!!
ولعلي أقدِّم لمقام وزارة التربية والتعليم بعض الاقتراحات لمعالجة مشكلة القبول:
أولاً: أن تقوم الوزارة بنزع ملكيات المرافق التعليمية من أصحابها، ثم تبني عليها المدارس، أو تنزع الملكيات الخاصة، بتثمين مُرْضٍ لأصحابها، ثم تنشئ عليها المدارس الحكومية الكافية.
ثانياً: من الحلول أن يمدَّد يوم الدراسة، بحيث يكون اليوم الدراسي مضاعَفاً، من الصباح إلى المساء.. ويصرف للمعلمين خارج دوام، أو يتم توظيف معلمين جدد للتدريس في هذه الفترة.
وهذا سيجعل التعليم أقوى تحصيلاً، وأتقن جودة وتمكيناً للمعلم، بأن يعمل في بيئة تربوية صحيحة، يتواصل مع جميع طلابه، ويحاورهم ويسمع لهم، وأن تستفيد وزارة التربية والتعليم من تجربة الجامعات السعودية؛ حيث تم قبول أعداد كثيرة جداً من الطلاب فيها فوق العادة؛ بسبب امتداد الدوام اليومي، من الصباح حتى المساء، وزيادة أعدادها.
ثالثاً: أن تضمن وزارة التربية والتعليم قبولاً للطالب في مدرسة أهلية، ذات جودة تربوية؛ حيث من يتعذر قبوله في فصل يزيد على "25" طالباً فإن الوزارة تتكفل بتعليمه في المدارس الأهلية، على حساب الدولة – كما هو حاصل اليوم في وزارة الصحة للمريض الذي لا يجد سريراً في مستشفى حكومي – فإن التعليم حقٌّ للجميع؛ وعلى الدولة أن تقوم بتدريس أبنائها.
رابعاً: أن تخفف الوزارة التعاميم التي تطلب من المعلمين ومديري المدارس تحقيق الجودة التربوية، وتطبيق استراتيجيات التدريس المتنوعة، واستخدام وسائل التعلم، التي تتم مع مجموعات محدودة من الطلاب، وتؤجل ذلك لحين التوسع في إنشاء المدارس الكافية وتحقيق العدد المعتبر في الفصل الواحد.
ما سبق يكون في الأحياء الأكثر ازدحاماً وكثافة سكانية.
المدرسة اليوم لا تريد كتباً فاخرة، ولا وسائل وتقنيات جديدة، ولا تنوعاً في مهارات التدريس، وإنما تريد سعةً في الفصول، وأفنية وملاعب فسيحة، ونظافة وصيانة دورية، وتجهيزات متكاملة، وبعد ذلك نأتي إلى الجودة التربوية والتعليمية.
مثل من يتكلم عن مهارة وتعليم قيادة السيارة والسيارة معطوبة!!
إذاً: لنهيئ المدرسة أولاً، ثم نطالب بمخرجاتها بعد ذلك.
التعديل الأخير: