أهان عليك المعلم يا وزارة التربية؟
المعلمون والمعلمات غالبيتهم في حالة نفسية متردية، لا يشعرون بالانتماء الحقيقي لهذا القطاع، ويسحبون أنفسهم سحبا كل صباح لتأدية وظيفة لا أقل ولا أكثر
يقول الخبر الصحفي الذي نشر الأسبوع الفارط: "ستعمّم البصمة الإلكترونية على جميع المدراس". وبرغم حفاوتي بالطريقة المتقدمة لموضوع البصمة الذي سيساعد كثيرا مديري المدارس في السيطرة على تسرّب بعض المعلمين، وستفرز هذه الطريقة المعلم الجيّد من ذلك المتهرّب؛ إلا أنني شعرت بكثير من الاستياء والغبن؛ بتخصيص قطاع المعلمين فقط من بين كل موظفي الدولة، وتساءلت: أهان عليك المعلم يا وزارة التربية؟!.
تذكرت في مكاشفاتي قبل أكثر من سبع سنوات مع معالي وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور محمد الرشيد، وقد طولب بتطبيق نظام البصمة الإلكترونية على المعلمين، وألّحوا على معاليه، بيد أنه كان رافضاً، ووقف ضد مثل هذا القرار، ليس بسبب عدم قناعته بالطريقة العصرية؛ بل لتخصيص قطاع المعلمين بهذا النظام، وكان يردّ عليهم: "ليكن، ولكن تطبّق على جميع موظفي الدولة، وإلا فلن أوافق على تخصيص المعلم بهذا النظام، مثل هذا القرار قدح في المعلم، ولا أقبل ذلك إطلاقاً".
أكبرت ذياك الوزير الذي برأيي حرك التربية والتعليم من داخلها، وأضفى عليها التفاعل الكبير، وقام بالتطوير في جهات شتى، صحيح أن الدكتور الرشيد لم يوفق في جوانب عديدة، ولكن حسبه شرفاً ما قام به من بثّ الحراك في مفاصل وزارة مهترئة وثقيلة، ووقوفه مع المعلم، ومحاولاته الجادة في كسبه، والإغداق عليه.
معالي وزير التربية الحالي سمو الأمير فيصل بن عبدالله، يحتاج حقاً إلى فريق شبابي استشاري، (في أعمار الـ30 والـ40 عاماً) كي يعاونوه في النهوض بهذه الوزارة، بدلاً من تلك العقليات التي أعادتنا لتلك العقليات السابقة قبل عقود، والتي ربما كانت في وقتها صائبة، بيد أننا أيها المستشارون الحاليون في عام 1433 هـ، وليس بأنظمة وأفكار لثلاثين عاماً انصرمت. نحتاج شباباً خلف التربية والتعليم، وآتين أيضاً من عمق قطاع التعليم ممن تدرّجوا كمعلمين ثم مشرفين، وألمّوا بدقائق العملية التربوية، وكيفية سيرورة العمل، وممن يعرفون أنه في مدارس كبيرة، يحتاجون من بين العشر دقائق إلى الربع ساعة كي يخرجوا الطلاب من الفصول، ونفس الوقت لإدخالهم جميعهم من الفناء المدرسي، ثم عندما يأتي من يقترح فسحتين وصلاة، كي تطبق على جميع المدارس –كذا- فسنعرف أن هذا المستشار العبقري، يعيش خلف مكتبه الوثير، دون أية معرفة بالمعاناة التي تعانيها إدارة المدرسة في ضبط الطلاب، واضربوا الوقت بعملية حسابية لتروا الهدر بتلك الأوقات، فضلاً عن تلكؤ كثير من المعلمين في الدخول لتلك الفصول، وكان بالإمكان تقديم بدائل لتلك الفسحة الجديدة عبر حصص نشاط أو حصة تربية بدنية ثانية.
المعلمون والمعلمات غالبيتهم في حالة نفسية متردية، لا يشعرون بالانتماء الحقيقي لهذا القطاع، ويسحبون أنفسهم سحباً كل صباح لتأدية وظيفة لا أقل ولا أكثر، وأتمنى توكيل مؤسسة خارجية تقيس مدى الرضا الوظيفي والحماس للعمل والإبداع لدى طائفة المعلمين والمعلمات، ومهما قعّد لديك المستشارون، وخططوا، وأفرجوا عن إبداعاتهم وعبقرياتهم، فإن المعلم الذي هو أساس العملية التربوية، إن لم تكسبوه يا سمو الوزير فلن تتقدموا خطوة واحدة، وستظل تلك القرارات صورية شاحبة.
أتذكر أنني في أول لقاء لي مع سموه، ولأول مرة يظهر للإعلام والمجتمع في الجامعة الإسلامية، شكوت له ما انتهت إليه صورة المعلم في المجتمع، وقد تفننت وسائل الإعلام وبعض المسلسلات الكوميدية في السخرية منه، وقلت: ليتك معالي الوزير تدافع عن صورة هذا المعلم، الذي انتهى لصورة كاريكاتيرية هزلية، ووسائل إعلامنا تقوم بما فعلته الصحافة المصرية وكرست صورة معلم (مسرحية المشاغبين) الذي بات ملطشة لدى رسامي الكاريكاتير في صحفنا السعودية، ومسلسل التهريج (طاش ما طاش)، وكان جوابه بعد إطراقة قصيرة: "ليتحدثوا، وليأخذوا حريتهم في النقد".
يا سمو الأمير، وأنت أتيت لنا من عمق الحياة العسكرية، فإنك تعرف بأن الجنرال إن لم يحبه جنوده وينتموا له، فلن يستطيع خوض المعركة بهم، وهؤلاء المعلمون جنودك، فأحسن إليهم وكن معهم، وأشعرهم بأنك المحامي الأول عنهم وعن حقوقهم، سيكونون لك أولئك الجنود الذين تفخر بهم، ويتفانون بأداء مهامهم.
هذه المحبة لا تأتي من خطابيات ومواعظ بائسة مستهلكة، أدمنت الوزراة على تقديمها بأيام الدراسة الأولى، بل بالوقوف الحقيقي في صفهم، والشعور بأنهم مكان القلب والعين من الجسد التربوي، والإغداق عليهم بمميزات هم محرومون منها، أقلها التأمين الصحي الذي يلوب في دهاليز الوزارة دون أن يستطيع أحد حسمه، فضلا عن مزايا عديدة، لو جلبتها لهم، لفعلت ما لم يفعله أحد من الوزراء قبلك، وتركت بصمة تاريخية حقيقة -لا إلكترونية- في سجل هذه الحقبة.
المعلم المسكين يقضي عمره بين أولئك الأطفال أو المراهقين، طيلة الست ساعات، يتحمل كل استفزازات وأكلاف تلك المرحلة العمرية، فهل تعلم أنه قبل سنوات قليلة، نشرت إحدى الصحف خبراً مؤسفاً، وقتما قام أحد قطاعات التعليم بتكريم المعلمين المتقاعدين خلال العام الذي مضى، ومن بين 122 معلماً، لم يأت سوى النصف، لأن ثلثهم قضوا نحبهم مباشرة نتيجة الأمراض التي دهمتهم إبّان تدريسهم.
المعلم عندما يتقاعد وهو في الستين، يصطحب غالبا أحد الثلاثي القاتل أو كله: السكر والضغط والقلب، ويعرف القطاع الصحي في وطني ذلك، فاتقوا الله فيهم.
إن لم يشعر المعلم بوقوف قيادته معه، وبتميّزه في المجتمع، فلن تجنوا منه شيئاً، مهما توعدتم وهددتم.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=13740
المعلمون والمعلمات غالبيتهم في حالة نفسية متردية، لا يشعرون بالانتماء الحقيقي لهذا القطاع، ويسحبون أنفسهم سحبا كل صباح لتأدية وظيفة لا أقل ولا أكثر
يقول الخبر الصحفي الذي نشر الأسبوع الفارط: "ستعمّم البصمة الإلكترونية على جميع المدراس". وبرغم حفاوتي بالطريقة المتقدمة لموضوع البصمة الذي سيساعد كثيرا مديري المدارس في السيطرة على تسرّب بعض المعلمين، وستفرز هذه الطريقة المعلم الجيّد من ذلك المتهرّب؛ إلا أنني شعرت بكثير من الاستياء والغبن؛ بتخصيص قطاع المعلمين فقط من بين كل موظفي الدولة، وتساءلت: أهان عليك المعلم يا وزارة التربية؟!.
تذكرت في مكاشفاتي قبل أكثر من سبع سنوات مع معالي وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور محمد الرشيد، وقد طولب بتطبيق نظام البصمة الإلكترونية على المعلمين، وألّحوا على معاليه، بيد أنه كان رافضاً، ووقف ضد مثل هذا القرار، ليس بسبب عدم قناعته بالطريقة العصرية؛ بل لتخصيص قطاع المعلمين بهذا النظام، وكان يردّ عليهم: "ليكن، ولكن تطبّق على جميع موظفي الدولة، وإلا فلن أوافق على تخصيص المعلم بهذا النظام، مثل هذا القرار قدح في المعلم، ولا أقبل ذلك إطلاقاً".
أكبرت ذياك الوزير الذي برأيي حرك التربية والتعليم من داخلها، وأضفى عليها التفاعل الكبير، وقام بالتطوير في جهات شتى، صحيح أن الدكتور الرشيد لم يوفق في جوانب عديدة، ولكن حسبه شرفاً ما قام به من بثّ الحراك في مفاصل وزارة مهترئة وثقيلة، ووقوفه مع المعلم، ومحاولاته الجادة في كسبه، والإغداق عليه.
معالي وزير التربية الحالي سمو الأمير فيصل بن عبدالله، يحتاج حقاً إلى فريق شبابي استشاري، (في أعمار الـ30 والـ40 عاماً) كي يعاونوه في النهوض بهذه الوزارة، بدلاً من تلك العقليات التي أعادتنا لتلك العقليات السابقة قبل عقود، والتي ربما كانت في وقتها صائبة، بيد أننا أيها المستشارون الحاليون في عام 1433 هـ، وليس بأنظمة وأفكار لثلاثين عاماً انصرمت. نحتاج شباباً خلف التربية والتعليم، وآتين أيضاً من عمق قطاع التعليم ممن تدرّجوا كمعلمين ثم مشرفين، وألمّوا بدقائق العملية التربوية، وكيفية سيرورة العمل، وممن يعرفون أنه في مدارس كبيرة، يحتاجون من بين العشر دقائق إلى الربع ساعة كي يخرجوا الطلاب من الفصول، ونفس الوقت لإدخالهم جميعهم من الفناء المدرسي، ثم عندما يأتي من يقترح فسحتين وصلاة، كي تطبق على جميع المدارس –كذا- فسنعرف أن هذا المستشار العبقري، يعيش خلف مكتبه الوثير، دون أية معرفة بالمعاناة التي تعانيها إدارة المدرسة في ضبط الطلاب، واضربوا الوقت بعملية حسابية لتروا الهدر بتلك الأوقات، فضلاً عن تلكؤ كثير من المعلمين في الدخول لتلك الفصول، وكان بالإمكان تقديم بدائل لتلك الفسحة الجديدة عبر حصص نشاط أو حصة تربية بدنية ثانية.
المعلمون والمعلمات غالبيتهم في حالة نفسية متردية، لا يشعرون بالانتماء الحقيقي لهذا القطاع، ويسحبون أنفسهم سحباً كل صباح لتأدية وظيفة لا أقل ولا أكثر، وأتمنى توكيل مؤسسة خارجية تقيس مدى الرضا الوظيفي والحماس للعمل والإبداع لدى طائفة المعلمين والمعلمات، ومهما قعّد لديك المستشارون، وخططوا، وأفرجوا عن إبداعاتهم وعبقرياتهم، فإن المعلم الذي هو أساس العملية التربوية، إن لم تكسبوه يا سمو الوزير فلن تتقدموا خطوة واحدة، وستظل تلك القرارات صورية شاحبة.
أتذكر أنني في أول لقاء لي مع سموه، ولأول مرة يظهر للإعلام والمجتمع في الجامعة الإسلامية، شكوت له ما انتهت إليه صورة المعلم في المجتمع، وقد تفننت وسائل الإعلام وبعض المسلسلات الكوميدية في السخرية منه، وقلت: ليتك معالي الوزير تدافع عن صورة هذا المعلم، الذي انتهى لصورة كاريكاتيرية هزلية، ووسائل إعلامنا تقوم بما فعلته الصحافة المصرية وكرست صورة معلم (مسرحية المشاغبين) الذي بات ملطشة لدى رسامي الكاريكاتير في صحفنا السعودية، ومسلسل التهريج (طاش ما طاش)، وكان جوابه بعد إطراقة قصيرة: "ليتحدثوا، وليأخذوا حريتهم في النقد".
يا سمو الأمير، وأنت أتيت لنا من عمق الحياة العسكرية، فإنك تعرف بأن الجنرال إن لم يحبه جنوده وينتموا له، فلن يستطيع خوض المعركة بهم، وهؤلاء المعلمون جنودك، فأحسن إليهم وكن معهم، وأشعرهم بأنك المحامي الأول عنهم وعن حقوقهم، سيكونون لك أولئك الجنود الذين تفخر بهم، ويتفانون بأداء مهامهم.
هذه المحبة لا تأتي من خطابيات ومواعظ بائسة مستهلكة، أدمنت الوزراة على تقديمها بأيام الدراسة الأولى، بل بالوقوف الحقيقي في صفهم، والشعور بأنهم مكان القلب والعين من الجسد التربوي، والإغداق عليهم بمميزات هم محرومون منها، أقلها التأمين الصحي الذي يلوب في دهاليز الوزارة دون أن يستطيع أحد حسمه، فضلا عن مزايا عديدة، لو جلبتها لهم، لفعلت ما لم يفعله أحد من الوزراء قبلك، وتركت بصمة تاريخية حقيقة -لا إلكترونية- في سجل هذه الحقبة.
المعلم المسكين يقضي عمره بين أولئك الأطفال أو المراهقين، طيلة الست ساعات، يتحمل كل استفزازات وأكلاف تلك المرحلة العمرية، فهل تعلم أنه قبل سنوات قليلة، نشرت إحدى الصحف خبراً مؤسفاً، وقتما قام أحد قطاعات التعليم بتكريم المعلمين المتقاعدين خلال العام الذي مضى، ومن بين 122 معلماً، لم يأت سوى النصف، لأن ثلثهم قضوا نحبهم مباشرة نتيجة الأمراض التي دهمتهم إبّان تدريسهم.
المعلم عندما يتقاعد وهو في الستين، يصطحب غالبا أحد الثلاثي القاتل أو كله: السكر والضغط والقلب، ويعرف القطاع الصحي في وطني ذلك، فاتقوا الله فيهم.
إن لم يشعر المعلم بوقوف قيادته معه، وبتميّزه في المجتمع، فلن تجنوا منه شيئاً، مهما توعدتم وهددتم.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=13740