في منتصف عام 1964 وقف الأمير فيصل نائب جلالة الملك خطيباً في مؤتمر شعبي عام عقد في جدة، معلنا حربا على الفساد الإداري، بل ووشايات المجالس التي تسمم المجتمع وتفكك أواصره، دعا المواطنين إلى ألا تكون أحاديثهم عن استغلال بعض الموظفين لمناصبهم أحاديث جانبية في مجالسهم الخاصة، وطالبهم بإيصال تلك الأحاديث والشكاوى إليه مع الإثبات ليروا كيف تطبق أقصى العقوبات بحق كل مستهتر بالنظام ومتلاعب.
المكان كان ساحة واسعة بعيدة عن العمران في جدة ما قبل التحول الكبير الذي وضع أساسه الملك الشهيد، وبالتحديد حيث تقف اليوم أسواق المساعدية بطريق المدينة شمال شارع فلسطين.
كان الأمير فيصل قد تسلم حديثا مقاليد الحكم في البلاد نيابة عن أخيه جلالة الملك سعود رحمه الله "نائبا عنه في حضوره وغيابه" وكانت المملكة يومها تمر بتحد خطير، فحرب اليمن مستعرة على حدودها الجنوبية والمد الثوري على أشده، والتشكيك في قدرة الدولة انتشر بفضل حملات دعائية شرسة كان يقودها الإعلام المصري في زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فوجد الفيصل أن أفضل طريقة لإعادة الثقة إلى الشارع السعودي وتعزيز العلاقة بين الحكم والمواطن هو أن ينزل مباشرة إلى المواطنين يصارحهم بهمومه ويسمع منهم توقعاتهم ومطالبهم.
سبق لقاء جدة جولات ولقاءات شعبية قام بها الفيصل واجتمع فيها بالمواطنين في الرياض والمدينة المنورة وفي جدة فمكة المكرمة والطائف.
في لقاء جدة كان الأمير فيصل صريحاً إلى أبعد الحدود وأمام حشد هائل من المواطنين قال لهم في تسجيل نادر استمعت إليه منبهرا، على هامش المعرض والندوة عن الفيصل اللذين افتتحا أمس في الرياض وأدعو إليهما الجيل الذي لم يعرف الفيصل، ليدرك التحديات التي سبقت ومهدت للطفرة التي نعيشها مرتين، قال الفيصل في كلمته القصيرة "أيها الإخوة الكرام، نحن لا نبرئ أنفسنا من الخطأ، ولا نبرئ أنفسنا من الزلل، وإنني لأعلم أنكم أيها المواطنون تشكون في مجالسكم وفيما بينكم أن بعض الموظفين يستغلون مراكزهم وينتفعون منها مادياً، ولكن اسمحوا لي إذا قلت بأن الحق عليكم أنتم أيها المواطنون، فإننا مستعدون أن نضرب على يد أي مستغل أو أي متلاعب بأقصى أنواع العقوبات، والشيء الوحيد الذي نرجوه منكم، أن تعاونوا حكومتكم على اجتثاث جذور هذا الفساد. ومن هددكم فهددوه، ومن طالبكم فالعنوه. أما بعد هذا أيها الإخوان، فإنني لا أسمح لأحد بأن يشتكي بينه وبين نفسه، أو بينه وبين زميله أو في مجلس خاص إلا أن يأتيني ويشتكي ويثبت على المرتكب، وفي ذلك الوقت سترون أنه ستوقع أعظم العقوبات التي لم يتصورها بشر بكل مستهتر بحقوق الشعب والمواطنين" ألا يُذكر هذا بحديث الملك عبد الله اليوم عن الفساد وتحذيره منه؟ بالطبع فهي نفس المدرسة التي حمت البلاد ورفعت من شأنها.
أما في لقائه بالمواطنين في مكة المكرمة فقد ذكر الفيصل جملته الشهيرة والتي أصبحت استشهاداً للكثير من الكتاب المنافحين عن الدين في زمن تعرض فيه الدين والمتمسك به لهجوم شرس من القوى الثورية اليسارية العربية " إذا كانت الرجعية تعني التمسك بأعتاب الدين فنحن نفخر أن نكون رجعيين ".
الذكريات السابقة جمعت بعضا من أطرافها من الأمير خالد الفيصل أمير مكة والذي كان شابا حضر بعضا من تلك المناسبات التاريخية فنهل من مدرسة والده، الذي لا يزال حاضرا بقوة في شخصيته وطباعه وصراحته وأسلوبه الخطابي المختصر الواضح، بل ومظهره أيضا، روى لي حدثاً آخر حصل في المدينة المنورة، إذ أُخذ أحد الأطفال بشخصية الأمير القوي فتسمر في مكانه، فانتبه له الفيصل فتقدم له بعد ما أنهى كلمته وأخذ بيده وأجلسه بجواره، بينما كان طبيب للملك قد تنبه لحالة الطفل وصفها بأنها طبيعية وأنه يحتاج فقط أن يبقى فترة بجوار الأمير حتى يستعيد طبيعته كان خلالها يعطيه السوائل والسكر حتى ذهبت الحالة فمضى في نهاية الحفل طبيعياً سعيداً إلى أهله. أيام مصيرية حافلة عاشتها المملكة خلال تلك الفترة استعادت فيها ثقتها وثباتها لتستمر بعدها حكومة وشعباً في منظومة البناء والنجاح والثبات، أما الآخرون الذين هددوا وتوقعوا أن الزمان زمانهم فقد مضوا بتاريخهم وأنظمتهم وهزائمهم وبقيت المملكة بدينها وشعبها المتآلف المتحد وقيادتها السعودية ورخائها تطرق أبواب مستقبل أفضل في ثقة واطمئنان.
-------------------------------
رحمك الله يافيصل واطال الله في عمرك يا ابا متعب
المكان كان ساحة واسعة بعيدة عن العمران في جدة ما قبل التحول الكبير الذي وضع أساسه الملك الشهيد، وبالتحديد حيث تقف اليوم أسواق المساعدية بطريق المدينة شمال شارع فلسطين.
كان الأمير فيصل قد تسلم حديثا مقاليد الحكم في البلاد نيابة عن أخيه جلالة الملك سعود رحمه الله "نائبا عنه في حضوره وغيابه" وكانت المملكة يومها تمر بتحد خطير، فحرب اليمن مستعرة على حدودها الجنوبية والمد الثوري على أشده، والتشكيك في قدرة الدولة انتشر بفضل حملات دعائية شرسة كان يقودها الإعلام المصري في زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فوجد الفيصل أن أفضل طريقة لإعادة الثقة إلى الشارع السعودي وتعزيز العلاقة بين الحكم والمواطن هو أن ينزل مباشرة إلى المواطنين يصارحهم بهمومه ويسمع منهم توقعاتهم ومطالبهم.
سبق لقاء جدة جولات ولقاءات شعبية قام بها الفيصل واجتمع فيها بالمواطنين في الرياض والمدينة المنورة وفي جدة فمكة المكرمة والطائف.
في لقاء جدة كان الأمير فيصل صريحاً إلى أبعد الحدود وأمام حشد هائل من المواطنين قال لهم في تسجيل نادر استمعت إليه منبهرا، على هامش المعرض والندوة عن الفيصل اللذين افتتحا أمس في الرياض وأدعو إليهما الجيل الذي لم يعرف الفيصل، ليدرك التحديات التي سبقت ومهدت للطفرة التي نعيشها مرتين، قال الفيصل في كلمته القصيرة "أيها الإخوة الكرام، نحن لا نبرئ أنفسنا من الخطأ، ولا نبرئ أنفسنا من الزلل، وإنني لأعلم أنكم أيها المواطنون تشكون في مجالسكم وفيما بينكم أن بعض الموظفين يستغلون مراكزهم وينتفعون منها مادياً، ولكن اسمحوا لي إذا قلت بأن الحق عليكم أنتم أيها المواطنون، فإننا مستعدون أن نضرب على يد أي مستغل أو أي متلاعب بأقصى أنواع العقوبات، والشيء الوحيد الذي نرجوه منكم، أن تعاونوا حكومتكم على اجتثاث جذور هذا الفساد. ومن هددكم فهددوه، ومن طالبكم فالعنوه. أما بعد هذا أيها الإخوان، فإنني لا أسمح لأحد بأن يشتكي بينه وبين نفسه، أو بينه وبين زميله أو في مجلس خاص إلا أن يأتيني ويشتكي ويثبت على المرتكب، وفي ذلك الوقت سترون أنه ستوقع أعظم العقوبات التي لم يتصورها بشر بكل مستهتر بحقوق الشعب والمواطنين" ألا يُذكر هذا بحديث الملك عبد الله اليوم عن الفساد وتحذيره منه؟ بالطبع فهي نفس المدرسة التي حمت البلاد ورفعت من شأنها.
أما في لقائه بالمواطنين في مكة المكرمة فقد ذكر الفيصل جملته الشهيرة والتي أصبحت استشهاداً للكثير من الكتاب المنافحين عن الدين في زمن تعرض فيه الدين والمتمسك به لهجوم شرس من القوى الثورية اليسارية العربية " إذا كانت الرجعية تعني التمسك بأعتاب الدين فنحن نفخر أن نكون رجعيين ".
الذكريات السابقة جمعت بعضا من أطرافها من الأمير خالد الفيصل أمير مكة والذي كان شابا حضر بعضا من تلك المناسبات التاريخية فنهل من مدرسة والده، الذي لا يزال حاضرا بقوة في شخصيته وطباعه وصراحته وأسلوبه الخطابي المختصر الواضح، بل ومظهره أيضا، روى لي حدثاً آخر حصل في المدينة المنورة، إذ أُخذ أحد الأطفال بشخصية الأمير القوي فتسمر في مكانه، فانتبه له الفيصل فتقدم له بعد ما أنهى كلمته وأخذ بيده وأجلسه بجواره، بينما كان طبيب للملك قد تنبه لحالة الطفل وصفها بأنها طبيعية وأنه يحتاج فقط أن يبقى فترة بجوار الأمير حتى يستعيد طبيعته كان خلالها يعطيه السوائل والسكر حتى ذهبت الحالة فمضى في نهاية الحفل طبيعياً سعيداً إلى أهله. أيام مصيرية حافلة عاشتها المملكة خلال تلك الفترة استعادت فيها ثقتها وثباتها لتستمر بعدها حكومة وشعباً في منظومة البناء والنجاح والثبات، أما الآخرون الذين هددوا وتوقعوا أن الزمان زمانهم فقد مضوا بتاريخهم وأنظمتهم وهزائمهم وبقيت المملكة بدينها وشعبها المتآلف المتحد وقيادتها السعودية ورخائها تطرق أبواب مستقبل أفضل في ثقة واطمئنان.
-------------------------------
رحمك الله يافيصل واطال الله في عمرك يا ابا متعب