عبــدالله الشــريف
إدارة الملتقى
محمد المسعودي
المعلم بين البحث عن حقوقه ورسالة التعليم
بدأ المعلم في الآونة الأخيرة يتأرجح بين رسالته، والبحث عن حقوقه المهنية والاجتماعية تحت وطأة التذمر تارةً، وجلد الذات تارةً أخرى، حتى أصبح المعلم السعودي مادةً سائغةً للتصريحات الساخنة والمقالات المتكررة بين التأنيب والتأليب والندب، وبأعمدة الصحافة سبقاً وأخباراً، وتحت فرشاة رسامي الكاريكاتير تندراً، وبين أفواه المجتمع قصصاً تسيره وتراوحه بين الخطيئة والذنب أحياناً والبراءة حيناً، وبين أقسام الشرطة ضارباً أو مضروباً!
حالة نفسية تهيم بالمعلم وحقوقه المهدرة تبدأ من الوقوف على حقوقه بدءاً من التقدير الوظيفي الكافي بأخذ مرتبته المستحقة، وبمنحه المساحة الكافية للإبداع التربوي، والأخذ بمشاركته في صياغة واتخاذ القرارات التربوية والتعليمية من إعداد المناهج والمقررات الدراسية والقياس والتقويم، مروراً بتأمين متطلباتهم من الاستقرار الاجتماعي في النقل، وإبعادهم عن الضغوط النفسية وتفهمها، والظلم الإداري ومتابعته، وتكريم المتميز بدلاً من إهماله، وجلب الخدمات له من احتياجات يفتقدها كالتأمين الصحي والأندية الرياضية والإعلام التربوي المتابع وغيرها...، فالعمل على رفع مستوى المعلمين وتحسين العملية التربوية ومضامين التعليم يطرح مشكلات عديدة ليس من السهولة أو المستحيل حلها، فالمعلمون يطالبون عن حق بالتمتع بظروف العمل الجيدة، ومكانتهم التي تنم عن الاعتراف الحقيقي بجهودهم بل بوجودهم!.
المعلم اليوم يعيش أوضاعاً تحتاج الدراسة وتستحق البحث والعمل الدؤوب من أجله، فعلى عجالة نجد أوضاعه المتردية تئن بدءاً من مستواه الذي يستحقه ووضعه الاقتصادي المتخبط، الذي يجعلني أجزم بأن المعلمين أكثر طبقة أو فئة عاملة مستهدفة من البنوك والشركات التي تتغزل بهم مع كل موسم ونهاية كل شهر، بتمييزهم كمستهلكين مستهدفين من الطراز الأول، فتفننت في سحبهم لبرامجها واستنزافهم، وبالمقابل لم نجدها يوماً تساعد في تكريمهم أو إبراز دورهم حتى في يوم المعلم إياه !
أما إعلامنا المرئي والمكتوب، فلن يُعفى من إهماله والمساهمة في تحجيم المعلم بتصويره إنساناً ذا مشاكل يلبس نظارةً سوداء لمستقبل الأمة، بتهويلٍ وتصعيد لبعض الأخطاء التربوية لتصل نقداً مستهدفاً ليس دوره الإصلاح فقط، وإجحافاً لإبداعاته وأفكاره التربوية والتعليمية، فكم نجد معلماً مبدعاً تربوياً بتجارب متميزة قام بها أو قدمها فنجد إعلامنا وبعض المراسلين (الكرام) يحرفون ذلك التكريم فجأةً لمدير عام تعليم المنطقة أو لمدير الإشراف أو المدرسة أو للوزارة وبنشر صورة لأحد المسؤولين وبتصريحات له، وتعقيب على هذه التجربة متجاوزين تسلقاً صاحب الإنجاز!! وتستخسر الصحيفة أن تنشر له صورة أو لقاءً بدلاً من إبراز مسؤول على حسابه، ولكني أظنها ظاهرة صحفية بحتة في بلادنا.
انظروا للأخبار في صحفنا تجد أي إنجاز يظهر وعلى جميع الأصعدة تجده يذيل بصيغة صحفية بحتة (وتم هذا الإنجاز بمتابعة من المدير العام وإشراف من رئيس القسم...) وصاحب الإنجاز لم يذكر أو يتطرق له، لأن مرتبته في نظر الصحافة ربما لا ترقى إلى مستوى النشر!
أما مجتمعنا فقد أنكر الكثير منه دور المعلم وجعله عاملاً يقوم بدور وظيفي فقط، لا يتردد أفراده في الإساءة له أمام الجميع، بدءاً من أبنائهم داخل المنازل إما بالهمز أو باللمز، وصولاً لبعض أساليب التعامل اللاواعي من قبل بعض أولياء الأمور، وتجاوزات أبنائهم التي تصل لغرف العنايات المركزة.
أما المعلم فإنني أجزم بأنه لن يفرض احتراماً وتقديراً له ولوظيفته ورسالته السامية سواه، فنحن غارقون بمتغيرات العصر، فعندما تذكر المعلومة في الماضي نجدها كانت ترتبط وتُستقى من المعلم وحده، أما الآن فمصادر المعلومة متعددة في عصرنا، فإن لم يكن المعلم متجدداً علمياً وتربوياً ونفسياً وفكرياً، فاتحاً مجالاً بل نقاشاً حراً مع أبنائه الطلاب، مانحاً الأفضلية للعلاقة بينه وبينهم، فأهم المعارف والعلوم وتكنولوجيات التعليم تطوراً لا يسعها إلا أن تساند هذه العلاقة فقط .
المعلم عندما ينتمي للمجتمع الذي يعمل فيه، فإنه يؤكد التزامه، ويكون واضح المعالم بإدراكه لحاجات ذلك المجتمع، فهو سيكون حتماً قادراً على الوفاء بمتطلباته وتحقيق غاياته، فالتوافق البيئي والاجتماعي من أهم السبل الكافية الكفيلة بتنمية التعليم، وإذا أراد المعلمون الاحترام والتبجيل الحقيقي فعليهم أن يقابلوا ذلك بالوفاء برسالتهم بكل تفان، والإحساس بالمسؤولية الواقعة على عاتقهم، فالمستويات المستحقة ليست هي فقط من أهدر حقوق المعلم، وحتى إن توفرت هذه المستويات، فسنعود للمربع الأول إن لم يؤمن المعلم برسالته الحقيقية مهما كانت المعوقات.
معلمونا الكرام محتاجون لوقفات صادقة، وخطوات جادة تكاملية من وزارة التربية والتعليم ووزارة المالية وديوان الخدمة المدنية والمجتمع والإعلام، لتوفير مستوياتهم ومكانتهم التي تليق بهم لتتوافق مع أهمية رسالتهم ودورهم البنائي لمستقبل أبنائنا.
ويبقى سؤال بعمق أصالة التربية: هل ستعود مكانة المعلم ؟، وسؤال للقارئ الكريم كيف ستتغير النظرة القاصرة للمعلم ؟، وإن كنت معلماً كيف ستنظر لذلك؟
مرفأ
قليل من الانتقاد يساعد الإنسان على التقدم؛ فالطائرات الورقية تعلو وترتفع عكس اتجاه الرياح وليس معها. (جون دويل
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=2722&id=4799&R****=225