في الوقت الذي توالت التحذيرات من ظاهرة اعتداء المعلمين على الطلاب، وخلصت بقرار وزاري بمنع الضرب في المدارس، أحدث ذلك ردة فعل عكسية في نفوس بعض الطلاب، مستغلين هذا التوجيه، ليشيعوا في المدارس ظاهرة الاعتداء على المعلمين بالضرب والطعن وغيرها.
اجراءات بطيئة وغير حازمة
هذه الظاهرة التي تقع في العديد من مدارس المملكة، فتح استمرارها باب التساؤلات حول التباطؤ في اتخاذ إجراءات نظامية حازمة تقف تجاه هذه السلوكيات التي تضفي صورة قاتمة على التعليم والتربية في المدارس الحكومية، كما تؤثر على تربية النشء وأخلاقهم تجاه معلميهم، فضلا عن تأثير ذلك على العملية التعليمية وقدرة المعلم في التفاعل مع طلابه في توصيل القيم والعلوم المختلفة، كما أنها تعكس سلوكيات بعض الطلاب ومستوى التربية لديهم، خاصة وأن المتابع في الآونة الأخيرة يستشعر خطورة هذه الظاهرة في ظل مقارنتها بحال الآباء والأجداد ومعاملتهم للمعلمين.
رصدت وسائل الإعلام العديد من حالات التعدي على المعلمين سواء بالسخرية والاستهزاء من قبل طلابهم، أو الاستهزاء من طريقة إلقائهم أو تدريسهم في الفصل وربما تحطيم سياراتهم أو إحراقها وغيرها من المواقف العدائية التي يتعرض لها المعلمون، بينما يُعاقب الطالب إما بالخصم من درجاته، أو طرده من فصله، وهذا كله يعد عقاباً وتحذيراً للطالب بأن يُعدّل ويحسن من سلوكياته وتصرفاته، أما اليوم فان الاعتداء أصبح مُنصبّاً على المعلم نفسه وليس ممتلكاته، علاوة على سبه وشتمه.
اعتداء عنيف على المعلمين
آخر هذه الظواهر، وقعت يوم الأربعاء الماضي عندما قام طالب بطعن معلمه في الرقبة والرأس أثناء فترة الاختبار في ثانوية الخن جنوب الأحساء، وذلك على خلفية تحرير محضر غش بحق الطالب، وتداولت وسائل الإعلام صورة المعلم الذي نُقل إلى المستشفى وهو بحالة مستقرة، بينما اكتفى المدير العام للتربية والتعليم بالأحساء بالاتصال بمدير المدرسة والمعلم بهدف الاطمئنان على صحته، إضافة إلى تهيئة الطلاب لاستمرار سير الاختبار، موجهاً الجهات المختصة باتخاذ اللازم وفتح تحقيق.
ورغم إقرار وزارة التربية اتفاقية أخلاقية تحت مسمى “التعاقد السلوكي” تُعقد بين الطالب وإدارة المدرسة ويُوقّع عليها الطرف الأول، بهدف ضبط وتقويم سلوك الطلاب من خلال خصم الدرجات وفق آلية محددة في المرحلتين المتوسطة والثانوية، ووضع عقوبة الاعتداء على المعلم؛ بالحرمان من الدراسة لمدة شهرين مع خصم 15 درجة من سلوك الطالب ونقله إلى مدرسة أخرى، إلا أن هذه العقوبات مازالت لا تمثل رادعاً للطلاب.
المطالبة بعودة هيبة المدرّس
في غضون ذلك، طالب معلمون بعودة هيبتهم بما يضمن لهم تأدية رسالتهم التربوية في بيئة مدرسية مناسبة، حيث أرجع أحدهم سبب عنف الطلاب تجاه معلميهم إلى تعاطي الممنوعات، وطالب بضرورة تحليل السموم لبعض الطلاب وخاصةً طلاب المرحلة الثانوية، ومضى يقول: “الطلاب المتعاطون للسموم هم الأكثر اعتداء، سواء على زملائهم الطلاب أو المعلمين، وعند الكشف عليهم مبكرا سنتمكن بالتعاون مع أسرهم، من معالجتهم قبل أن يتطور الوضع، خصوصا أنهم في سن لا زالت صغيرة يمكن التعامل معها”.
عادات بائسة وظواهر سلبية
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الظاهرة وإن كانت تحصل في الغالب من فئة الشباب الذين هم في مرحلة المراهقة والطيش وانعدام الشعور بالمسؤولية؛ إلاّ أنها في بعض الأحيان قد تحصل من الكبار، بل إنها ربما حصلت ممن لا يتوقع منهم ذلك السلوك نتيجةً للضغوط الاجتماعية الخاطئة، والعادات والتقاليد البائسة، ونحوها من العوامل المجتمعية المنحرفة والمهيمنة على ثقافة أبناء المجتمع الذي تنتشر فيه مثل هذه الظاهرة”.
الحلول
وبشأن الحلول، أن أول الحلول من أجل معالجة الظاهرة، هي عمل إحصاءات ودراسات محلية تبين حجم المشكلة وملامحها الأساسية وبالتالي مواجهتها بالحلول المثلى، وربما التدريب والتأهيل المخصص لمواجهة هذه الظاهرة لكافة المعلمين قبل العمل بالتعليم وأثناءه هو أحد أبرز الحلول التي يمكن الاستفادة منها بشكل كبير، والتعرف على طرق تفادي العنف أثناء وقوعه، ويأتي التأكيد على دور الأسرة الفاعل من خلال الدورات التدريبية والإعلام والتواصل بين البيت والمدرسة كعامل مهم بين العوامل التي تساعد في حل هذه المشكلة المجتمعية وإنهائها، وكذلك طلب الجهات الأمنية التدخل في الوقت المناسب، وسن الأنظمة والقوانين التي تحد من هذه الظاهرة بشكل أكثر وضوحا وأكثر تفصيلا.