يقول سقراط إن الذي يعرف الحق لا يختار الباطل وإن من يقع في الرذيلة يقع فيها لجهله بالفضيلة, لذلك هو يرى أن أعظم سعادة ينالها الفرد هي معرفته للحق, فالذي يعرف الحق لا يختار الباطل.
وحسب هذه الرؤية السقراطية يكون الحائل بين الإنسان واستقامة السلوك هو جهله بالخير, وهذا الجهل قد يكون فطرياً وقد يكون مصنوعاً, فالإنسان قد يخدع نفسه في مواضع كثيرة ليُبرر لها ما لا يحسن, ويجيز لها ما لا يجوز, كأن يبرر الإنسان لنفسه ممارسة الغش والتدليس أو الكذب أو الخيانة, ويرضى منها بذلك كله أو ببعضه بحجج ينسجها له هواه وتمليها عليه عواطفه, فيظل بعيداً عن معرفة الخير والحق.
لكن (كانت) الفيلسوف الألماني, يرى أن الإنسان بإمكانه أن يضع لنفسه قانوناً واضحاً يتبعه في سلوكه فيضمن عدم وقوعه في شباك الخداع الذي قد ينسجه الهوى في بعض الأحيان. وهذا القانون الذي يقترحه (كانت) ينص على أن يكون معيار الحكم على السلوك, أي سلوك, هو تعميمه على الناس جميعاً, فقبل أن يقدم الإنسان على سلوك ما, عليه أن يسأل نفسه إن كان يحب أن يرى ذلك السلوك شائعاً بين الناس? فلا يسمح لنفسه أن يأتي من الأفعال سوى ما يحب أن يرى كل أحد غيره يفعله, فيتضح له آنذاك مدى صواب الفعل أو ضلاله. وهذا القانون الذي يذكره كانت يُذكرنا بالمبدأ السامي في الخلق الإسلامي (أحب لأخيك ما تحب لنفسك) وهي قاعدة سلوكية من أنبل ما يمكن أن يتضمنه الخلق الإنساني الرفيع.
لو أن كل امرئ سأل نفسه إن كان يحب أن يُكذب عليه, أو أن يخدع أو أن يغش, أو يُخان, أو غير ذلك من أشكال السلوك الرديء الذي يسيء به الناس إلى بعضهم البعض تحت مبررات لا حصر لها مما ينسجونه لأنفسهم من أعذار, ترى ماذا سيكون رده? لو أن الناس حرصوا دائماً على تطبيق ذلك المبدأ الجميل في حياتهم, فلم يأتوا من التصرفات سوى ما يحبون أن يكون عاماً وشائعاً بين الناس, هل كان سيوجد الظلم في هذه الحياة?
إلا أنها سنة الله في خلقه, فقد شاء لهم خالقهم أن يكونوا على ذلك الضعف النفسي, فلا يمكنهم أن يكونوا منصفين دائماً فيقع الظلم فيما بينهم. ولله في خلقه شؤون.
__________________