المعلمون وال( 109) مليارات المهدرة
رحلة السفر من حفر الباطن إلى الكويت قد تجد ما يشير إلى أن قافلة هدر المال العام قد حطت هناك ،وقد تجد أحافير ترشدك إلى أن بعضاًً من ال( 109) مليارات المهدرة قد طمرت على قارعة الطريق ، تسير على ذلك الطريق وتشعر بحزنه وكآبته وألمه ،بعد أن أعياه التعب ومل الانتظار ؛ فمساره الثاني يشهد مخاضاً عسراً لأصعب عملية ولادة يشهدها التاريخ ، فمنذ عقود وهو يتمخض دون ولادة ، كما لو أريد له أن يكون شاهداً على أكبر عمليات إبادة لحوادث السير، حافلات كاملة تحترق ويتفحم ركابها... كلما تقدمت في المسير يزداد أملك في العثور على جزء أكبر من المليارات المهدرة ؛ فإذا شاهدت وزارة المالية ودورها في ترميمات المدارس الحدودية والمنافذ وتوسعتها دون الحاجة، أو رأيت تخطيطها لاستحداث الجديد منها بلا مبرر ،عرفت أن أموالاً سيتم ردمها في هذا الجزء الغالي من الوطن .... احذر من التفكير العميق في البحث عن الأموال المهدرة لأنك قد تكون ضحية لدوار وضع في المكان الخطأ بعد أن تم ترسيته ضمن مشروع ما بتكلفة ما (يُقال بأنه فزعة لجهة ما) ، فإذا دخلت المنفذ فانظر إلى ثلاث كبائن للجمارك بستة مسارات وموظف واحد ؛ تقدم قليلاً ستجد أمامك أربع كبائن للجوازات بثمانية مسارات يعمل منها اثنان فقط وقت الذروة. ولو تساءلت لمَ لا تفتح بقية المسارات قيل لا يوجد موظفون ؟!... تتساءل لماذا يُبنى هذا العدد الكبير من الكبائن إذن ؟! ... تُجيب نفسك بنفسك ... جزء من المليارات دفن هنا !... فعلى طريق واحد لا يتجاوز ال 100 كلم يوجد أثر واضح للمليارات المهدرة ، فماذا لو كان السير في طريق طويل كطريق المنطقة الشرقية أو الشمال مثلاً ! ...
تجاوزت المنفذ وتذكرت وزارة المالية وتعاطيها مع قضية المعلمين وتوصيتها بتقليل الهدر في التعليم فرددت قول شوقي (أحرام على بلابله الدوح ** حلال للطير من كل جنس ) ... فمع أن اللجنة الوزارية المكونة من وزارات المالية والتربية والتعليم والخدمة المدنية والاقتصاد والتخطيط كانت مهمتها الأساسية دراسة وضع المعلمين والمعلمات المعينين على مستويات متدنية للبحث عن أفضل السبل لمعالجتها ؛ إلا أنهم توقفوا عندما لا حظوا وجود هدر مالي في التعليم ، إذ إن أمانتهم لا تسمح بأن يتجاوزوا مثل ذلك أو يمروه كما جاء ، والحقيقة أن ذلك العمل يُحترم ويُقدر ، كما أنه واجب يفرضه الدين و يحتمه الانتماء والوطنية ، فالمال العام له مستحقون والدولة جهة له ضامنة .... المعلمون أيدوا هذا الإجراء وزادت ثقتهم بالجهات المكلفة بمتابعة قضيتهم ، ذلك لأن الحريص على الحق العام سيكون بالضرورة أكثر حرصاً على الحق الخاص ... لكن الإعلان الأخير بإهدار 109 مليار من المال العام ومطالبة أعضاء مجلس الشورى بحضور رئيس ديوان المراقبة العامة لمساءلته بخصوص هذا الشأن جعلهم يشعرون بأن قضية الحصول على الحقوق يكتنفها شيء من الغموض ، وهناك ازدواج في المعايير ، فمع هذا الهدر الفلكي في المال العام يُحرم المعلمون حقوقهم ! ، إذ أن عملية تعديل المستويات وصرف الفروقات مهما كانت تكلفتها فهي حقوق يجب أن تُعطى لأصحابها ،فحتى في علاقات الأفراد ومعاملاتهم بين بعضهم البعض ، لا يُعذر المتعثرون عن السداد بدعوى عدم القدرة ،والدولة نفسها تطالبهم بالخيار بين السداد أو السجن ، فكيف يكون الحال حين تكون العلاقة بين الدولة وأفرادها؟! ...إن الإعلان عن وجود هدر مالي بهذا الحجم سيعيد قضية المعلمين والمعلمات إلى نقطة الصفر ، وسيزيدهم ذلك إصراراً على التمسك بحقوقهم وإيماناً بعدالة قضيتهم ؛ ذلك لأن التبرير بتأثر خزينة الدولة بات عذراً سمجاً ومبرراً مضحكاً ، فهو في النهاية لا يحتاج إلا أن يقلل الهدر المالي بمقدار 25% ...
فحتى لو لم يعلن عن هذا الهدر في المال العام ،إلا أن الناس يشعرون فيه ، سواء من وجود تدني في مستوى الخدمات المقدمة ، أومن خلال ترسية العديد من المشاريع بأسعار مبالغ فيها ، وكذلك من خلال منع الحقوق من الوصول إلى أصحابها...
الدولة لا تبخل أبداً على أبنائها ، والمواطنون يثقون بأن الدولة قائمة على العدل منذ إنشائها ، لكن عدم تناسب الخدمات المقدمة مع حجم ما يصرف على المشاريع، يقود بالضرورة إلى وجود خلل ما، يستدعي كلمات أقسى وأكثر ردعاً لتستبدل بها كلمة (هدر) ، كما يستوجب البحث عن مكامن الخلل وأسبابه ومن يقف وراءه ....
شافي بن عايد الوسعان
كاتب سعودي
رحلة السفر من حفر الباطن إلى الكويت قد تجد ما يشير إلى أن قافلة هدر المال العام قد حطت هناك ،وقد تجد أحافير ترشدك إلى أن بعضاًً من ال( 109) مليارات المهدرة قد طمرت على قارعة الطريق ، تسير على ذلك الطريق وتشعر بحزنه وكآبته وألمه ،بعد أن أعياه التعب ومل الانتظار ؛ فمساره الثاني يشهد مخاضاً عسراً لأصعب عملية ولادة يشهدها التاريخ ، فمنذ عقود وهو يتمخض دون ولادة ، كما لو أريد له أن يكون شاهداً على أكبر عمليات إبادة لحوادث السير، حافلات كاملة تحترق ويتفحم ركابها... كلما تقدمت في المسير يزداد أملك في العثور على جزء أكبر من المليارات المهدرة ؛ فإذا شاهدت وزارة المالية ودورها في ترميمات المدارس الحدودية والمنافذ وتوسعتها دون الحاجة، أو رأيت تخطيطها لاستحداث الجديد منها بلا مبرر ،عرفت أن أموالاً سيتم ردمها في هذا الجزء الغالي من الوطن .... احذر من التفكير العميق في البحث عن الأموال المهدرة لأنك قد تكون ضحية لدوار وضع في المكان الخطأ بعد أن تم ترسيته ضمن مشروع ما بتكلفة ما (يُقال بأنه فزعة لجهة ما) ، فإذا دخلت المنفذ فانظر إلى ثلاث كبائن للجمارك بستة مسارات وموظف واحد ؛ تقدم قليلاً ستجد أمامك أربع كبائن للجوازات بثمانية مسارات يعمل منها اثنان فقط وقت الذروة. ولو تساءلت لمَ لا تفتح بقية المسارات قيل لا يوجد موظفون ؟!... تتساءل لماذا يُبنى هذا العدد الكبير من الكبائن إذن ؟! ... تُجيب نفسك بنفسك ... جزء من المليارات دفن هنا !... فعلى طريق واحد لا يتجاوز ال 100 كلم يوجد أثر واضح للمليارات المهدرة ، فماذا لو كان السير في طريق طويل كطريق المنطقة الشرقية أو الشمال مثلاً ! ...
تجاوزت المنفذ وتذكرت وزارة المالية وتعاطيها مع قضية المعلمين وتوصيتها بتقليل الهدر في التعليم فرددت قول شوقي (أحرام على بلابله الدوح ** حلال للطير من كل جنس ) ... فمع أن اللجنة الوزارية المكونة من وزارات المالية والتربية والتعليم والخدمة المدنية والاقتصاد والتخطيط كانت مهمتها الأساسية دراسة وضع المعلمين والمعلمات المعينين على مستويات متدنية للبحث عن أفضل السبل لمعالجتها ؛ إلا أنهم توقفوا عندما لا حظوا وجود هدر مالي في التعليم ، إذ إن أمانتهم لا تسمح بأن يتجاوزوا مثل ذلك أو يمروه كما جاء ، والحقيقة أن ذلك العمل يُحترم ويُقدر ، كما أنه واجب يفرضه الدين و يحتمه الانتماء والوطنية ، فالمال العام له مستحقون والدولة جهة له ضامنة .... المعلمون أيدوا هذا الإجراء وزادت ثقتهم بالجهات المكلفة بمتابعة قضيتهم ، ذلك لأن الحريص على الحق العام سيكون بالضرورة أكثر حرصاً على الحق الخاص ... لكن الإعلان الأخير بإهدار 109 مليار من المال العام ومطالبة أعضاء مجلس الشورى بحضور رئيس ديوان المراقبة العامة لمساءلته بخصوص هذا الشأن جعلهم يشعرون بأن قضية الحصول على الحقوق يكتنفها شيء من الغموض ، وهناك ازدواج في المعايير ، فمع هذا الهدر الفلكي في المال العام يُحرم المعلمون حقوقهم ! ، إذ أن عملية تعديل المستويات وصرف الفروقات مهما كانت تكلفتها فهي حقوق يجب أن تُعطى لأصحابها ،فحتى في علاقات الأفراد ومعاملاتهم بين بعضهم البعض ، لا يُعذر المتعثرون عن السداد بدعوى عدم القدرة ،والدولة نفسها تطالبهم بالخيار بين السداد أو السجن ، فكيف يكون الحال حين تكون العلاقة بين الدولة وأفرادها؟! ...إن الإعلان عن وجود هدر مالي بهذا الحجم سيعيد قضية المعلمين والمعلمات إلى نقطة الصفر ، وسيزيدهم ذلك إصراراً على التمسك بحقوقهم وإيماناً بعدالة قضيتهم ؛ ذلك لأن التبرير بتأثر خزينة الدولة بات عذراً سمجاً ومبرراً مضحكاً ، فهو في النهاية لا يحتاج إلا أن يقلل الهدر المالي بمقدار 25% ...
فحتى لو لم يعلن عن هذا الهدر في المال العام ،إلا أن الناس يشعرون فيه ، سواء من وجود تدني في مستوى الخدمات المقدمة ، أومن خلال ترسية العديد من المشاريع بأسعار مبالغ فيها ، وكذلك من خلال منع الحقوق من الوصول إلى أصحابها...
الدولة لا تبخل أبداً على أبنائها ، والمواطنون يثقون بأن الدولة قائمة على العدل منذ إنشائها ، لكن عدم تناسب الخدمات المقدمة مع حجم ما يصرف على المشاريع، يقود بالضرورة إلى وجود خلل ما، يستدعي كلمات أقسى وأكثر ردعاً لتستبدل بها كلمة (هدر) ، كما يستوجب البحث عن مكامن الخلل وأسبابه ومن يقف وراءه ....
شافي بن عايد الوسعان
كاتب سعودي