المضاربون الجدد ..
يطلق لقب "المضارب" على الفتوة صاحب العضلات الذي يستعين به أهل الحارة أو الحارات المجاورة، في حال حصل مكروه أو "هوشة" لهم لا قدر الله ولم يستطيعوا رد المشكلة عنهم، ويستعينون عادة بالفتوة الأقوى أو ما يسمى بـ "مكتم الحارة"، وهذه المضاربات قد تحصل لأتفه الأسباب.
لذا فمن شروط المضارب أن يكون قوي البنية، مفتول العضلات، قوي العزيمة، لا يهاب أحدا ولا يحسب حساب أحد، فما إن يراه أي واحد سيهرب من فوره و"يزبن" بيته، كما أن عليه أن يوفر أدواته جاهزة معه تحسبا لأي طارئ مثل "العجرا" و"مفتاح الكفر" و"القديمي" في حال تطورت الأمور إلى ما لا تحمد عقباها.
ولكن في الزمن الحديث ظهر لنا نوع جديد من المضاربين، فلا يشترط فيهم القوة والعضلات والسواطير ومفتاح العجل، بل على العكس تماما، قد تجد بعضهم نحيل الجسم بارز العظام لا يفصل عنها سوى جلد هزيل، وربما إذا نفخت عليه هواء يطير .. هل عرفتموه؟!
أنه مضارب الأسهم الذي يبيع ويشتري في سوق الأسهم السعودية في اليوم نفسه أكثر من مرة، وربما يتركها لليوم التالي ليبيع ما في جعبته من سهام بأكثر حسب تصوراته ومقاييسه لهذا السهم وفائدته.
هؤلاء المضاربون ينقسمون إلى قسمين، القسم الأول ويسمى المحترف وهو صاحب المحافظ الكبيرة التي تحتوي الملايين والملايين، والثاني على النقيض وقد يسمى "المستحرف" والذي لا تحوي محافظه سوى الملاليم، فلا صوت يعلو هنا فوق صوت جرس السوق، وحركة المؤشرات، فلا العجرا حاضرة ولا القديمي جاهزة، تدور عملياتهم في وضوح النهار، ولكن لا تراها عين مجردة .. يتداولون فيما بينهم أخبارا وشائعات، منها الصحيح وأكثرها الكاذب، يطبلون تارة ويشترون تارة ويبيعون تارة أخرى.
صارت أحاديثهم مصدر رفع هذا السهم أو خفضه، عندما تذكر الملوخية سيصبح السهم أخضرَ، وعندما تشتري الطماطم هذا اليوم سيكون السهم أحمرَ .. وهكذا، سوق لا تحكمه عوامل ولا ينفع معه قانون، صار مبدأ "أهبش وأنحش" ديدنهم .. هؤلاء المحترفون وإن كان بعضهم قد خسر خسائر وإن بدت في ظاهرها كبيرة، ولكنها قليلة مقابل ما كسبوه، أما المضاربون المستحرفون، فلم يجنوا سوى الويل والنكران وصاروا ضحايا سوق لا يعلمون لها تشريعا ولا قانونا.
لقد تجرع المساهمون في سوقنا العزيزة هذه المرارة، وذاقوا ويلات الخسارة والخذلان، فهل من المعقول ألا يبقى إلا 10 % فقط من رأسمالك، وهل من المعقول أن تضيع الأحلام بتحسن الدخل وامتلاك منزل العمر وتلك السيارة الفاخرة في أقل من جلسة تداول!!
لقد أجزل الكُتاب في نقل مآسي هؤلاء المستحرفين ومن هم أقل منهم بأجود العبارات، وفاضت قريحة الشعراء بروائع تصف الحال وتشخصه، علم بها المسؤول قبل السائل !! ولكن دون جدوى، لتصبح خسائر الأسهم بعد ذلك حديث سمّار ليل ومصدر سلوتهم.
أيها المضاربون وأيها المساهمون وأيها الهوامير، يا أصحاب الرؤوس الكبيرة والأموال الكثيرة، لا تلومونا إن طلبنا المال مثلكم، فنحن مواطنون كما أنتم ولنا الحق كما لكم، في استثمار أموالنا في وسائل تعود علينا بالنفع، فمنا من يريد الزواج ومنا من يريد منزلا لأطفاله ومنا من يرغب في عيش رغيد ..
ولكن معكم لا أظن هذه الأحلام ستكون واقعا ملموسا، فأنتم لا تُرون بالعين المجردة، وربما يكون منكم أشباح يدخلون وقت تداول في الخفاء، يقتنصون فرائسهم ويعودون أدراجهم تاركين من خلفهم يتجرع دائما الذل والويل والخذلان ..
هل نقول كفاكم : لا أظنكم ستكتفون قريبا.. فأنتم كم قال صاحب لكم "اللي مو قد السوق لا يدخله من أساسه"، ولا نعلم ما هي مقاييسكم وأوزانكم التي تكيلون بها ..
يبدأ اليوم تطبيق المؤشر الحر، وحسبما قرأناه نحن الضحايا الذين ظللنا مجبرين على متابعة كل جديد في هذه السوق، فإنه يعزز الاستثمار ويقلل من المضاربة، وستفقد بموجبه شركات كبيرة مثل سابك والراجحي أوزانها خصوصا أنه يستبعد ملكية الحكومة في السهم ولا ينظر إلى بعض العوامل التي قد تؤثر في سهم شركة معينة، وبالتالي ستصبح شركات مثل بنك الرياض وشركة الكهرباء وكيان السعودية (بعد عامين) لاعبا جديدا في السوق وشركات قيادية.
هذا ما تقوله النظرية، ولكن ما نظريتكم أنتم أيها المضاربون الجدد، نحن نرى محافظ هنا، وتوصيات هناك، وصناديق تعلن، لنبدأ معكم من جديد لعبة القط والفأر، كيف ستتعامون مع هذا المؤشر الجديد؟! لا نعلم !!
ولكننا على يقين أنكم لن تعدموا الوسيلة، وسترون ماذا سيحصل خلال هذه الأيام، حتى تنتهوا من صناديقكم ومحافظكم وتتأكدوا أنها اكتملت، ومن ثم يتقرر ما ستنوون فعله، وطبعا لن نكون أبدا ضمن قائمة اهتماماتكم، بل ستبحثون عن آخرين تبثون فيهم سمومكم من جديد ليكون لكم ضحايا جدد، فثلاثة ملايين مساهم قد انتهوا ولا فائدة فيهم، إذا فأنتم في حاجة لثلاثة ملايين آخرين لترووا عطشكم من خلالهم، وما نعلمه أيضا أننا سنحصل في كل مرة على قصص وحكايات جديدة منها المضحك ومنها المبكي، ففي كل مرة نحن الخاسرون دائما، وكما قال أحدهم بعد خسائر كبيرة "أن الفلوس تعرف أهلها".
لماذا يحدث معنا ذلك؟! ولماذا لا نتعلم إلا بعد وقوع الفأس في الرأس؟! وهل سنظل دائما ردة الفعل لا الفعل نفسه!!
أسئلة بحاجة إلى استثمار طويل الأجل حتى نجد الإجابة عنها.
يطلق لقب "المضارب" على الفتوة صاحب العضلات الذي يستعين به أهل الحارة أو الحارات المجاورة، في حال حصل مكروه أو "هوشة" لهم لا قدر الله ولم يستطيعوا رد المشكلة عنهم، ويستعينون عادة بالفتوة الأقوى أو ما يسمى بـ "مكتم الحارة"، وهذه المضاربات قد تحصل لأتفه الأسباب.
لذا فمن شروط المضارب أن يكون قوي البنية، مفتول العضلات، قوي العزيمة، لا يهاب أحدا ولا يحسب حساب أحد، فما إن يراه أي واحد سيهرب من فوره و"يزبن" بيته، كما أن عليه أن يوفر أدواته جاهزة معه تحسبا لأي طارئ مثل "العجرا" و"مفتاح الكفر" و"القديمي" في حال تطورت الأمور إلى ما لا تحمد عقباها.
ولكن في الزمن الحديث ظهر لنا نوع جديد من المضاربين، فلا يشترط فيهم القوة والعضلات والسواطير ومفتاح العجل، بل على العكس تماما، قد تجد بعضهم نحيل الجسم بارز العظام لا يفصل عنها سوى جلد هزيل، وربما إذا نفخت عليه هواء يطير .. هل عرفتموه؟!
أنه مضارب الأسهم الذي يبيع ويشتري في سوق الأسهم السعودية في اليوم نفسه أكثر من مرة، وربما يتركها لليوم التالي ليبيع ما في جعبته من سهام بأكثر حسب تصوراته ومقاييسه لهذا السهم وفائدته.
هؤلاء المضاربون ينقسمون إلى قسمين، القسم الأول ويسمى المحترف وهو صاحب المحافظ الكبيرة التي تحتوي الملايين والملايين، والثاني على النقيض وقد يسمى "المستحرف" والذي لا تحوي محافظه سوى الملاليم، فلا صوت يعلو هنا فوق صوت جرس السوق، وحركة المؤشرات، فلا العجرا حاضرة ولا القديمي جاهزة، تدور عملياتهم في وضوح النهار، ولكن لا تراها عين مجردة .. يتداولون فيما بينهم أخبارا وشائعات، منها الصحيح وأكثرها الكاذب، يطبلون تارة ويشترون تارة ويبيعون تارة أخرى.
صارت أحاديثهم مصدر رفع هذا السهم أو خفضه، عندما تذكر الملوخية سيصبح السهم أخضرَ، وعندما تشتري الطماطم هذا اليوم سيكون السهم أحمرَ .. وهكذا، سوق لا تحكمه عوامل ولا ينفع معه قانون، صار مبدأ "أهبش وأنحش" ديدنهم .. هؤلاء المحترفون وإن كان بعضهم قد خسر خسائر وإن بدت في ظاهرها كبيرة، ولكنها قليلة مقابل ما كسبوه، أما المضاربون المستحرفون، فلم يجنوا سوى الويل والنكران وصاروا ضحايا سوق لا يعلمون لها تشريعا ولا قانونا.
لقد تجرع المساهمون في سوقنا العزيزة هذه المرارة، وذاقوا ويلات الخسارة والخذلان، فهل من المعقول ألا يبقى إلا 10 % فقط من رأسمالك، وهل من المعقول أن تضيع الأحلام بتحسن الدخل وامتلاك منزل العمر وتلك السيارة الفاخرة في أقل من جلسة تداول!!
لقد أجزل الكُتاب في نقل مآسي هؤلاء المستحرفين ومن هم أقل منهم بأجود العبارات، وفاضت قريحة الشعراء بروائع تصف الحال وتشخصه، علم بها المسؤول قبل السائل !! ولكن دون جدوى، لتصبح خسائر الأسهم بعد ذلك حديث سمّار ليل ومصدر سلوتهم.
أيها المضاربون وأيها المساهمون وأيها الهوامير، يا أصحاب الرؤوس الكبيرة والأموال الكثيرة، لا تلومونا إن طلبنا المال مثلكم، فنحن مواطنون كما أنتم ولنا الحق كما لكم، في استثمار أموالنا في وسائل تعود علينا بالنفع، فمنا من يريد الزواج ومنا من يريد منزلا لأطفاله ومنا من يرغب في عيش رغيد ..
ولكن معكم لا أظن هذه الأحلام ستكون واقعا ملموسا، فأنتم لا تُرون بالعين المجردة، وربما يكون منكم أشباح يدخلون وقت تداول في الخفاء، يقتنصون فرائسهم ويعودون أدراجهم تاركين من خلفهم يتجرع دائما الذل والويل والخذلان ..
هل نقول كفاكم : لا أظنكم ستكتفون قريبا.. فأنتم كم قال صاحب لكم "اللي مو قد السوق لا يدخله من أساسه"، ولا نعلم ما هي مقاييسكم وأوزانكم التي تكيلون بها ..
يبدأ اليوم تطبيق المؤشر الحر، وحسبما قرأناه نحن الضحايا الذين ظللنا مجبرين على متابعة كل جديد في هذه السوق، فإنه يعزز الاستثمار ويقلل من المضاربة، وستفقد بموجبه شركات كبيرة مثل سابك والراجحي أوزانها خصوصا أنه يستبعد ملكية الحكومة في السهم ولا ينظر إلى بعض العوامل التي قد تؤثر في سهم شركة معينة، وبالتالي ستصبح شركات مثل بنك الرياض وشركة الكهرباء وكيان السعودية (بعد عامين) لاعبا جديدا في السوق وشركات قيادية.
هذا ما تقوله النظرية، ولكن ما نظريتكم أنتم أيها المضاربون الجدد، نحن نرى محافظ هنا، وتوصيات هناك، وصناديق تعلن، لنبدأ معكم من جديد لعبة القط والفأر، كيف ستتعامون مع هذا المؤشر الجديد؟! لا نعلم !!
ولكننا على يقين أنكم لن تعدموا الوسيلة، وسترون ماذا سيحصل خلال هذه الأيام، حتى تنتهوا من صناديقكم ومحافظكم وتتأكدوا أنها اكتملت، ومن ثم يتقرر ما ستنوون فعله، وطبعا لن نكون أبدا ضمن قائمة اهتماماتكم، بل ستبحثون عن آخرين تبثون فيهم سمومكم من جديد ليكون لكم ضحايا جدد، فثلاثة ملايين مساهم قد انتهوا ولا فائدة فيهم، إذا فأنتم في حاجة لثلاثة ملايين آخرين لترووا عطشكم من خلالهم، وما نعلمه أيضا أننا سنحصل في كل مرة على قصص وحكايات جديدة منها المضحك ومنها المبكي، ففي كل مرة نحن الخاسرون دائما، وكما قال أحدهم بعد خسائر كبيرة "أن الفلوس تعرف أهلها".
لماذا يحدث معنا ذلك؟! ولماذا لا نتعلم إلا بعد وقوع الفأس في الرأس؟! وهل سنظل دائما ردة الفعل لا الفعل نفسه!!
أسئلة بحاجة إلى استثمار طويل الأجل حتى نجد الإجابة عنها.