
أخبرني أحد المعلمين بصوت تخالجه العبرات أنه يعمل في مجال التعليم منذ تسع سنوات إلى أن بلغ المستوى الثالث مترقباً قرار التحسينات حتى فوجئ بصدور قرار ( أقرب راتب ) و الذي يقتضي بمنحه زيادة 9 ريالات فقط متجاهلاً سنوات خبرته و درجته المستحقة .. ثم أستطرد قائلا: أنا لا أطالب بحقوقي المادية فقد أعتدنا على قرارات ( الموت البطيء ) .. و لكني سئمت !! .. فأجبته مواسياً: من ماذا ؟
عندها أنفجر باكياً: سئمت من سباقي اليومي مع بزوغ أشعة الشمس لأدخل في معمعة صراع اللحاق بدفتر التوقيع قبل إغلاقه حتى يسمع المدير صرير وقوف سيارتي فينطلق مسرعاً نحو الدفتر و علامات الخبث ترتسم في وجهه ثم يستقبلني وهو يغلق غطاء قلمه الأحمر قائلاً: سبقتك

سئمت من كوني معلماً مستهلكاً ما بين الحصص و الإشراف و الإذاعة و النشاط مقابل ورقة شكر ينتهي مفعولها بمجرد طباعتها .. كما سئمت من معركة ضبط الصف حيث يبدأ الدرس و أن أحصد المضبوطات المخالفة من جيوب الطلاب ثم أشرح درسي بين أفواه فاغرة و أخرى ثرثارة فما إن أرى يداً مرفوعة حتى أستبشر خيراً لتفاعل أحدهم بل و أسمح له بالإجابة ( ملهوفاً ) و لكن سرعان ما يخيب أملي بقوله: " استاذ بروح الحمام "


سئمت من كوني الحلقة الأضعف في الميدان التربوي .. فإدارة المدرسة ( تكرفني ) و الطالب ( يصفعني ) و ولي الأمر ( يشتمني ) .. بينما الوزارة تقف بحيادية مترقبة لحظة دفاعي عن نفسي كي تتدخل لـ ( تعاقبني ) !!
عندها أطلق تنهيدة عميقة ثم أذرفت عيناه وهو يردد قول الشاعر:
لا تعجبوا إن صحت يوما صيحة *** ووقعت ما بين الفصول قتيل
يا من يريد الانتحار وجدته *** إن المعلم لا يعيش طويل
لم يكد ينهي نحيبه حتى مسحت دموعه بورقة دفتر تحضير ثم أردفت متسائلاً: لما لا تجد لك بديلاً عن هذه المهنة إذن ؟ .. فأجابني ساخراً: لأن شهادتي التربوية لا تملك بديلاً سوى مهنة ( كاشير في العثيم ) تحت شعار ( من يقول الشغل عيب )
