بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين , والصلاةوالسلام على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يومالدين .
أما بعد:
فالحديث عن المعلمين , حديث عن واحدة من دعائم الأمة وركائزها , فالمعلمون بفضل الله شموع تنير الطريق , وتبدد ظلمة الجهل , وأنهار تغسل عن المجتمع أدران التخلف , ولا ينكر أثرهم إلا جاحد أو جاهل , وهم امتداد للرسالة العظمى , وحملة لأمانة تبليغها , ولهذا تستغفر لهم الملائكة في السماء , والحيتان في الماء , وهم في المنزلة والمكانة , بقدر ما يحملون ويقدمون , ولهذا فمن واجبنا إكرامهم , وتذليل العقبات التي تعترض طريقهم , والثقة بهم , واستشعار عظم الأمانة التي يحملون ويبلغون .
ليس عجيبا أن تجد رجلاً يبحث عن مطعم نظيف , يقدم طعاماً جميلاً ومفيداً , بل هذا هو الأصل والمنطق والعقل , لكن العجيب , أن يكون بحثه عن المأكل والمشرب أهم من بحثه عن ماهو أعظم نفعاً , وأكبر أثراً , وهو العلم !!!.
لقد كان الحكماء يبالغون في إكرام المؤدب والمعلم , ليقينهم بأنه يبني عقولاً , ويغذي قلوباً , هي أحوج ماتكون لها الأمة المسلمة , في حين أن بناء الأجساد وتسمينها لم يكن في يوم من الأيام محمدة لقائل , ولا ممدحة لمتفاخر , بل كان مما يعاب به الإنسان ضخامة جسمه إن لم يقترن بها عقل راجح , وعلم نافع .
ومن هنا يتبين أهمية دور المعلم المربي , وأنه يجب أن يلقى من مجتمعه كلَّ حفاوة , وإلا فإن عدم العناية به , أو الانتقاص من شأنه , أو تفريغه من محتوى طبيعته , أو إشغاله بمالا يليق به , أو التشغيب عليه في رسالته , أو تهديده بمصالحه , أو فتح جبهات داخلية عليه , أو عدم مكافأته بما يناسب جهده , أو فرض أنظمة تعسفية عليه , أو جعله حقلاً للتجارب التربوية , والوسائل التعليمية , أو عدم مراعاة ظروفه , أو حرمانه من عوامل الاستقرار النفسي والاجتماعي , أو غير ذلك من الأمور , يعرض الحياة التعليمية برمتها للخطر, ويساهم في إيجاد مجتمعات خداج , فمابالك إذا انضاف إليه التدخل في مناهج التعليم , والأفكار النشاز المطالبة بتقليل مواد الشريعة , بحجة عدم الحاجة إليها , أو أن سوق العمل لا تقبل أهلها , فهذا – وأيم الله – من الرزايا والمحن , وهو إذن للسوس لينخر في جُدُر الأمة وكيانها , ثم لاتسأل بعد عن الآثار التدميرية للقيم ولأخلاق والأمن ولكل مرتكز من مرتكزات الأمة , ونواحي حياتها .
لن أطيل في الحديث عن قضية محاولة اختطاف التعليم في مناهجه , فهذه سأتناولها في مقال قادم بحول الله تعالى , كما لن أسهب في الحديث عن فضل العلم وأهله والناشرين له , لأنني لا أتصور أن أحداً اليوم يجهل هذا الفضل , بل سينصبُّ حديثي عن قضيتين مهمتين , أرى أنه من الضروري , بل والضروري جداً أن أتناولهما بشيء من التفصيل والقوة , وذلك لأنهما يشكلان أمام رجال التعليم في الميدان عقبتين مؤذيتين , وتركهما دون علاج أو حلٍّ تنجرُّ آثاره على الطلاب أولاً , ثم على والحياة العلمية ثانياً وثالثاً ورابعاً , وهاتان القضيتان هما :
القضية الأولى :
قضية امتهان المعلم , وهذه يمكن أن نلقي باللائمة فيها بمانسبته 70% على وزارة التربية والتعليم , التي فتح باب القبول للشكاية , وجردت المعلم من كل وسيلة من وسائل التأديب , فصار المعلم لا يأمن على نفسه من جهة , ولايجد من ينصفه من جهة أخرى غالباُ , مما جرأ كثيراً من الطلاب على المعلمين , فاستباحوا بذلك هيبة المدرسة , ومقام المعلم , بل وزاد الأمر على أن يقوم بعضهم بتصوير ذلك وتوثيقه ونشره , حتى يتشجع به ضعاف النفوس , وتقوى شوكتهم في الباطل .
بل بلغ من استخفاف الطلاب بالمعلم , أن يقوموا بتصويره أثناء قيامه بواجبه , وتوثيق مشاغبات الطلاب له , وسخريتهم به , لأنهم يعلمون أنه لاحيلة له بهم , ولا سبيل له عليهم , بل بلغ الأمر ببعض المعلمين – وهم قلة – أن يقلب المجال التعليمي إلى مسرح فوضوي , عانق فيه المراهقين , وذلك ليأمن شرهم من جهة , أو ليأسه من فائدة بذل الجهد في الأرض القيعة , التي لاتمسك ماء , ولاتنبت كلأً , أو هكذا أريد لها أن تكون , بفضل بعض السياسات التعليمية .
متى كنا نعهد أن الطالب يضرب معلمه , أو أن الفصول الدراسية تحولت إلى كبائن اتصالات , وإذا قبلنا هذا الأمر , فلا نعجب حين يأتي تصنيفنا في ذيل القائمة , وإذا كنا نريد أن ننهض بالتعليم , فيجب أن نحترم المعلم , ونفرض هيبته لدى الطلاب , ونمنحه الثقة بالنفس , ونقف معه إن أخطأ بتصويبه , وإن اعتدي عليه بتأديب المعتدي تأديباً يردع غيره عن سلوك ذات السبيل .
لست هنا أدعي العصمة للمعلم , بل أعترف بأنه يخطىء , كما لا أطالب بإطلاق يده , وترك الحبل له على الغارب , بل أطالب بأن يكون المعلم في مكانه اللائق به , وهو ما كنا نعهده عن معلمينا وأساتذتنا , الذين كانت لهم في قلوبنا هيبة , فكان لهم على أنفسنا أثرا .
أين نحن من قول شوقي الذي نردده :
قم للمعلم وفِّه التبجلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا
ولسان حال المعلم يقول : وددت أن أخرج منها كفافا لا عليَّ ولا ليا !!! .
القضية الثانية :
قضية أجور المعلمين , التي صارت أشبه بقضية فلسطين , من حيث التعقيد , والشد والجذب , فالمعلمون بين الوعودالمؤنسة , وبين الخطوات المؤيِّسة , فالحيرة تكويهم أحياناً كثيرة , فلا يجدون مايدفعونها به إلا ببعض كلمات سمعوها , أو إشارات فهمومها , لكن تلك الكلمات والإشارات , تصطدم بجبال الواقع المر , فتجعلهم يرتدون إلى حيرة أشدة من الأولى , وهكذا دواليك .
يجب أن يوضع لهذه القضية حلُّ جذري , ويجب على الدولة أن تعلم أن المال الذي تبذله في سبيل إصلاح واقع هؤلاء المعلمين , لن يذهب لعدو خارجي , ولا منافق خداع , بل هو منها وإليها , هي من يبذله , وشبابها من سيستفيد منه , وهم أحقُّ به من كثير ممن امتدت لهم يد الدولة السخية بالعطاء والهبات والمكرمات .
كم هي الحسرة والزفرة والحرقة , التي نجدها في نفوس هؤلاء الشباب , وهم يتناقلون أخبار المعونات لبعض الدول المجاورة , التي يسيل لها لعاب الغني قبل الفقير, وهذا له مدلولاته , ولذلك فالحكمة تقتضي النظر في وضع المربين , لما لهم من أثر على الناشئة , ومعلوم أن المربي إذا كان يحمل في نفسه ذلك النَّفَس المحشو بالحسرة والحرقة والقهر , فسيكون نتاجه مؤلماً , في حين لايختلف العقلاء على أن النفس الراضية كالشجرة ذات الحمل الطيب , والظل الوارف .
وتأخير الحل لمثل هذه القضايا , حتى ولو جاء ’ فلن يكون له أثره الإيجابي , بقدر ماللمبادرة في الحل , وتذليل العقبات , من سل لسخائم القلوب , وتصفية لكدر النفوس .
اللهم هل بلغت , اللهم فاشهد
اللهم هل بلغت , اللهم فاشهد
اللهم هل بلغت , اللهم فاشهد
اللهم اهدِ ضال المسلمين , وعافِ مبتلاهم , وفكَّ أسراهم , وارحم موتاهم , واشفِ مريضهم , وأطعم جائعهم , واحمل حافيهم , واكسُ عاريهم , وانصر مجاهدهم ,وردَّ غائبهم , وحقق أمانيهم.
اللهم هل بلغت , اللهم فاشهد
اللهم هل بلغت , اللهم فاشهد
اللهم اهدِ ضال المسلمين , وعافِ مبتلاهم , وفكَّ أسراهم , وارحم موتاهم , واشفِ مريضهم , وأطعم جائعهم , واحمل حافيهم , واكسُ عاريهم , وانصر مجاهدهم ,وردَّ غائبهم , وحقق أمانيهم.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه , والباطل باطلا وارزقنااجتنابه , ولاتجعله ملتبسا علينا فنضل.
اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليكردا جميلا.
اللهم أصلح الراعي والرعية.
هذا والله أعلى وأعلم , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وكتبه
سليمان بن أحمد بن عبدالعزيزالدويش
أبو مالك
mamal_m_s@hotmail.com
اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليكردا جميلا.
اللهم أصلح الراعي والرعية.
هذا والله أعلى وأعلم , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وكتبه
سليمان بن أحمد بن عبدالعزيزالدويش
أبو مالك
mamal_m_s@hotmail.com
التعديل الأخير بواسطة المشرف: