أسبوع وزارة التربية
د مشاري بن عبدالله النعيم
هذا الاسبوع يستحق أن يكون أسبوعا لوزارة التربية والتعليم، فقد بدأ الاسبوع بإعلان شركة لتطوير التعليم وعلى نهايته تصريحات لسمو الوزير بتوجه الوزارة نحو اللامركزية، والذي اتمناه أن تكون هذه الأفكار قابلة للتطبيق مع أنني لا أعلم ما إذا كانت مشكلتنا هي في اللامركزية أو في شيء آخر، لأن مشاكل وزارة التعليم كثيرة ،ويبدو فعلا أن "الشق اكبر من الرقعة" بل إنه لا يوجد رقعة تناسب التشققات التي يعاني منها التعليم في بلادنا. أما حكاية تأسيس شركة لتطوير التعليم لتحل مكان المشاريع القائمة لبرنامج الملك عبدالله لتطوير التعليم فهي أمر "مبهج" لأنها تجعل الانسان يفغر فاه من التعجب كما أنها تؤكد أن تلك البرامج والمشاريع التي رصد لها 8 مليارات ريال لم تحقق أي نجاح أو أن نتائجها أقل من المأمول. ولن أقول إنني حتى هذه اللحظة لم أفهم برامج تطوير التعليم ولم الاحظها على ابنائي ولم أشعر بأي تغيير ،علما بأن لدي ابناء في كل مراحل التعليم، لأن قولي لا يغير من الامر شيئاً.
إن هذا شيء متوقع أو هكذا أتصور الأمر، ذلك أن الوزارة لم تركز على المشكلة الأساسية وهي البيئة التعليمية خصوصا "المعلمين" الذين يفتقرون للمقدرة على التعليم، رغم المحاولات الكثيرة التي قامت بها لتدريب وتطوير المعلمين في السنوات الأخيرة، الأمر الذي يجعلنا نتحدث عن جدوى وجدية وأهمية "التقويم المستمر" الذي سيشمل مرحلتي الاعدادية والثانوية. أذكر هنا أنني كتبت مقالا في جريدة الرياض قبل سنوات عندما قررت الوزارة البدء في التقويم للصفوف الأولى في المرحلة الابتدائية، وأكدت أن الوزارة تتبنى أفكاراً تفوق إمكاناتها لأنها لا تملك معلمين يستطيعون القيام بعملية التقويم بشكل صحيح، والحقيقة أنني لا أعلم كيف قفزت الوزارة مرة واحدة لتعمم عملية التقويم على جميع مراحل التعليم دون أن تقيم تجربتها في المرحلة الابتدائية بشكل علمي فكل ما تقوم به الوزارة هو بعض الاستطلاعات وأخذ رأي من تقول عنهم خبراء دون دراسة علمية لمخرجات أفكارها ومشاريعها، والنتيجة مزيد من التدهور لمستوى التعليم ومزيد من المغامرات في تبني أفكار ليست مبنية على اساس. هذا لا يصب في نقد وزارة التعليم أو التقليل من الجهود التي تبذلها الوزارة ولا يمكن أن نوجه اللوم هنا لمسؤولي الوزارة الحاليين، فالامر يتعلق بتراكمات تاريخية ساهم فيها الجميع. لكني على يقين أن الوزارة تحاول التغيير وتبذل كل الجهود الممكنة من أجل التطوير والتغيير لكن يبدو أن هناك من يحض على الاستعجال من أجل الحصول على نتائج ترضي الناس، وما هكذا تورد الإبل، فمسائل التعليم وتطوير بيئة تعليمية ناضجة تحتاج إلى التأني والبدء من معوقات التطوير بدلا من إطلاق شركات ومشاريع "إعلامية" لن تنتهي إلى شيء.
الحقيقة أنني صرت أحاول أن أحل لغز شركة تطوير التعليم وقلت في نفسي لماذا يجب أن نؤسس شركة، وهل الخبر قال إنها شركة قابضة أم أنها تضامنية ومن يملكها، وهل المقصود هنا البدء في خصخصة التعليم العام، ومن هو المستفيد من هذه الشركة وكيف ستساهم في تطوير التعليم ولم أجد أي أجابة مقنعة لكل هذه الأسئلة المتزاحمة في ذهني، وقلت إنها شركة والسلام، وما الضير في ذلك، هناك برامج ترصد لها مليارات الريالات ولا تحقق أي نجاح ولا أحد يسأل عنها فلماذا أشغل رأسي بهذه الأسئلة، "إن غداً لناظره قريب". العجيب في أمر التعليم أنه "ليس له حلاً" ويبدو أنه لن يكون له حل حتى مع تأسيس شركات عملاقة لتطوير التعليم، فأنا أخشى أن تكون الشركة مثل شركات "الشنطة" التي تأسست مؤخرا عندما قررت الجامعات السعودية فرض السنة التحضرية التي أعطيت لشركات لتشغيلها. تخيلوا معي لقد تأسست شركات من أجل السنة التحضيرية، وأصبح لدينا من يوفر الاساتذة بنظام المقاولات والعطاءات، ومن يقدم العطاء الأقل يحصل على العقد. والله أشعر بطنين في رأسي لأني لم أتخيل في يوم أن يتحول التعليم لنظام مقاولات إلا بعد أن شاهدته بأم عيني في كثير من الجامعات السعودية، حتى أنني لمت نفسي أنني انتقدت وزير التعليم السابق عندما قال في لقاء حضره كثير من الكتاب قبل سنوات، أنه تم التعاقد مع مقاول لتطوير مادتي الرياضيات والفيزياء، فقد ثارت ثائرتي في ذلك اللقاء لاستخدام الوزير عبارة مقاول على مجال تعليمي. عندما أقارن بين ما يحدث الآن وما قاله الوزير أتحسر على تلك الايام الخوالي. نحن في عصر شركات التعليم ولننتظر ما سيحدث ولا نستعجل النتائج فلن نخسر شيئاً.
ولأصارح القارئ العزيز بأنني لا أثق كثيرا في ما أسمعه وأقرأه عن التعليم في بلادنا، فلي صديق قديم يعمل حاليا مديرا لمنطقة تعليمية مهمة في المملكة، وكلما التقينا يقول لي إنه سيدعوني لإدارته حتى يطلعني على ما قامت به الوزارة من تطوير، ويظل ساعة يتحدث ويمتدح فيها مشاريع التدريب والتطوير ،وعن أفكار كبيرة وهو على ثقة كاملة أنها سوف تتحقق، وأنا بالطبع أقول له إنني في الانتظار، وإنني مثل غيري من مواطني هذه البلاد الكريمة أتمنى أن تتحقق هذه الاحلام والطموحات، رغم أنني على قناعة أنه لن يطلعني على شيء لا أعرفه لأن النتائج تدل على "لا شيء" لكني لن امانع عندما تصلني الدعوة، التي يبدو أنها لن تأتي في يوم، لأنه في حقيقة الأمر لا يتذكر الدعوة إلا عندما يراني. هذا الصديق أحد رجالات التعليم ومسؤول في وزارة التربية ،والمفروض أنه يعبر عن رأي الوزارة، لكنه مثل كل مسؤول يتحدث عن كثير من الافكار التي لن تتحقق في يوم. ولعلي هنا أقول له إننا لسنا بحاجة لكثير من المشاريع، ولا يحتاج إصلاح التعليم إلى أفكار ومغامرات ،بل يحتاج إلى "جدية" وإحساس بالمسؤولية وتطبيق معايير مشددة على مستوى المعلمين في المراحل الابتدائية، وإصلاح البيئة التعليمة المادية ،ووضع برامج تربط البيت بالمدرسة على شكل برامج القراءة المنزلية وتكريس فكرة التعليم بالممارسة واللعب ،وتفعيل تعليم الفنون البصرية من أجل خلق جيل متذوق. لا نحتاج إلى شركات ولن يتطور التعليم بتوزيع حواسيب محمولة للطلاب والمعلمين. نحن بحاجة للابتعاد عن الشكليات "الإعلامية" فهذه الشكليات ليست هي ما نعاني منه ولن يتأخر التعليم لدينا إذا لم نعطها أي أولوية.
http://www.alriyadh.com/2010/02/13/article498099.html
د مشاري بن عبدالله النعيم
هذا الاسبوع يستحق أن يكون أسبوعا لوزارة التربية والتعليم، فقد بدأ الاسبوع بإعلان شركة لتطوير التعليم وعلى نهايته تصريحات لسمو الوزير بتوجه الوزارة نحو اللامركزية، والذي اتمناه أن تكون هذه الأفكار قابلة للتطبيق مع أنني لا أعلم ما إذا كانت مشكلتنا هي في اللامركزية أو في شيء آخر، لأن مشاكل وزارة التعليم كثيرة ،ويبدو فعلا أن "الشق اكبر من الرقعة" بل إنه لا يوجد رقعة تناسب التشققات التي يعاني منها التعليم في بلادنا. أما حكاية تأسيس شركة لتطوير التعليم لتحل مكان المشاريع القائمة لبرنامج الملك عبدالله لتطوير التعليم فهي أمر "مبهج" لأنها تجعل الانسان يفغر فاه من التعجب كما أنها تؤكد أن تلك البرامج والمشاريع التي رصد لها 8 مليارات ريال لم تحقق أي نجاح أو أن نتائجها أقل من المأمول. ولن أقول إنني حتى هذه اللحظة لم أفهم برامج تطوير التعليم ولم الاحظها على ابنائي ولم أشعر بأي تغيير ،علما بأن لدي ابناء في كل مراحل التعليم، لأن قولي لا يغير من الامر شيئاً.
إن هذا شيء متوقع أو هكذا أتصور الأمر، ذلك أن الوزارة لم تركز على المشكلة الأساسية وهي البيئة التعليمية خصوصا "المعلمين" الذين يفتقرون للمقدرة على التعليم، رغم المحاولات الكثيرة التي قامت بها لتدريب وتطوير المعلمين في السنوات الأخيرة، الأمر الذي يجعلنا نتحدث عن جدوى وجدية وأهمية "التقويم المستمر" الذي سيشمل مرحلتي الاعدادية والثانوية. أذكر هنا أنني كتبت مقالا في جريدة الرياض قبل سنوات عندما قررت الوزارة البدء في التقويم للصفوف الأولى في المرحلة الابتدائية، وأكدت أن الوزارة تتبنى أفكاراً تفوق إمكاناتها لأنها لا تملك معلمين يستطيعون القيام بعملية التقويم بشكل صحيح، والحقيقة أنني لا أعلم كيف قفزت الوزارة مرة واحدة لتعمم عملية التقويم على جميع مراحل التعليم دون أن تقيم تجربتها في المرحلة الابتدائية بشكل علمي فكل ما تقوم به الوزارة هو بعض الاستطلاعات وأخذ رأي من تقول عنهم خبراء دون دراسة علمية لمخرجات أفكارها ومشاريعها، والنتيجة مزيد من التدهور لمستوى التعليم ومزيد من المغامرات في تبني أفكار ليست مبنية على اساس. هذا لا يصب في نقد وزارة التعليم أو التقليل من الجهود التي تبذلها الوزارة ولا يمكن أن نوجه اللوم هنا لمسؤولي الوزارة الحاليين، فالامر يتعلق بتراكمات تاريخية ساهم فيها الجميع. لكني على يقين أن الوزارة تحاول التغيير وتبذل كل الجهود الممكنة من أجل التطوير والتغيير لكن يبدو أن هناك من يحض على الاستعجال من أجل الحصول على نتائج ترضي الناس، وما هكذا تورد الإبل، فمسائل التعليم وتطوير بيئة تعليمية ناضجة تحتاج إلى التأني والبدء من معوقات التطوير بدلا من إطلاق شركات ومشاريع "إعلامية" لن تنتهي إلى شيء.
الحقيقة أنني صرت أحاول أن أحل لغز شركة تطوير التعليم وقلت في نفسي لماذا يجب أن نؤسس شركة، وهل الخبر قال إنها شركة قابضة أم أنها تضامنية ومن يملكها، وهل المقصود هنا البدء في خصخصة التعليم العام، ومن هو المستفيد من هذه الشركة وكيف ستساهم في تطوير التعليم ولم أجد أي أجابة مقنعة لكل هذه الأسئلة المتزاحمة في ذهني، وقلت إنها شركة والسلام، وما الضير في ذلك، هناك برامج ترصد لها مليارات الريالات ولا تحقق أي نجاح ولا أحد يسأل عنها فلماذا أشغل رأسي بهذه الأسئلة، "إن غداً لناظره قريب". العجيب في أمر التعليم أنه "ليس له حلاً" ويبدو أنه لن يكون له حل حتى مع تأسيس شركات عملاقة لتطوير التعليم، فأنا أخشى أن تكون الشركة مثل شركات "الشنطة" التي تأسست مؤخرا عندما قررت الجامعات السعودية فرض السنة التحضرية التي أعطيت لشركات لتشغيلها. تخيلوا معي لقد تأسست شركات من أجل السنة التحضيرية، وأصبح لدينا من يوفر الاساتذة بنظام المقاولات والعطاءات، ومن يقدم العطاء الأقل يحصل على العقد. والله أشعر بطنين في رأسي لأني لم أتخيل في يوم أن يتحول التعليم لنظام مقاولات إلا بعد أن شاهدته بأم عيني في كثير من الجامعات السعودية، حتى أنني لمت نفسي أنني انتقدت وزير التعليم السابق عندما قال في لقاء حضره كثير من الكتاب قبل سنوات، أنه تم التعاقد مع مقاول لتطوير مادتي الرياضيات والفيزياء، فقد ثارت ثائرتي في ذلك اللقاء لاستخدام الوزير عبارة مقاول على مجال تعليمي. عندما أقارن بين ما يحدث الآن وما قاله الوزير أتحسر على تلك الايام الخوالي. نحن في عصر شركات التعليم ولننتظر ما سيحدث ولا نستعجل النتائج فلن نخسر شيئاً.
ولأصارح القارئ العزيز بأنني لا أثق كثيرا في ما أسمعه وأقرأه عن التعليم في بلادنا، فلي صديق قديم يعمل حاليا مديرا لمنطقة تعليمية مهمة في المملكة، وكلما التقينا يقول لي إنه سيدعوني لإدارته حتى يطلعني على ما قامت به الوزارة من تطوير، ويظل ساعة يتحدث ويمتدح فيها مشاريع التدريب والتطوير ،وعن أفكار كبيرة وهو على ثقة كاملة أنها سوف تتحقق، وأنا بالطبع أقول له إنني في الانتظار، وإنني مثل غيري من مواطني هذه البلاد الكريمة أتمنى أن تتحقق هذه الاحلام والطموحات، رغم أنني على قناعة أنه لن يطلعني على شيء لا أعرفه لأن النتائج تدل على "لا شيء" لكني لن امانع عندما تصلني الدعوة، التي يبدو أنها لن تأتي في يوم، لأنه في حقيقة الأمر لا يتذكر الدعوة إلا عندما يراني. هذا الصديق أحد رجالات التعليم ومسؤول في وزارة التربية ،والمفروض أنه يعبر عن رأي الوزارة، لكنه مثل كل مسؤول يتحدث عن كثير من الافكار التي لن تتحقق في يوم. ولعلي هنا أقول له إننا لسنا بحاجة لكثير من المشاريع، ولا يحتاج إصلاح التعليم إلى أفكار ومغامرات ،بل يحتاج إلى "جدية" وإحساس بالمسؤولية وتطبيق معايير مشددة على مستوى المعلمين في المراحل الابتدائية، وإصلاح البيئة التعليمة المادية ،ووضع برامج تربط البيت بالمدرسة على شكل برامج القراءة المنزلية وتكريس فكرة التعليم بالممارسة واللعب ،وتفعيل تعليم الفنون البصرية من أجل خلق جيل متذوق. لا نحتاج إلى شركات ولن يتطور التعليم بتوزيع حواسيب محمولة للطلاب والمعلمين. نحن بحاجة للابتعاد عن الشكليات "الإعلامية" فهذه الشكليات ليست هي ما نعاني منه ولن يتأخر التعليم لدينا إذا لم نعطها أي أولوية.
http://www.alriyadh.com/2010/02/13/article498099.html