كتاب اليوم
مازن عبد الرزاق بليله
واقع التعليم في منتدى جدة الاقتصادي ورقة نائب وزير التعليم الدكتور فيصل المعمر، في منتدى جدة الاقتصادي الأسبوع الماضي كانت واضحة، وشفافة، ومباشرة، لأنها شخصت أداء التعليم العام بالمملكة، ما له، وما عليه، وفي هذه المنتديات تكون الصراحة هي بداية الحل الناجح، تحدث النائب عن استراتيجية تحول المملكة العربية السعودية إلى مجتمع معرفي منتج ومنافس بحلول العام 2022، يسهم في تحقيق التنمية المستدامة من خلال بناء ثروة بشرية مبدعة، على اعتبار أن العامل الأساسي للتنمية وللقوة الاقتصادية هو الاستثمار في الإنسان.
على الرغم من وجاهة ومصداقية ورقة التعليم في المنتدى، فمن جانبي أحب أن أوضح أن سياسة التعليم بالمملكة ستظل تراوح مكانها، لثلاثة أسباب: أولاً هاجس المدارس المستأجرة، وثانياً هشاشة مشروع (تطوير)، وثالثاً ضعف مخرجات العلوم والرياضيات، فيما يخص البند الأول تقول الوزارة إنه سيتم التخلص من المدارس المستأجرة عام 1435، أي بعد 4 سنوات، والسؤال؟ هل تستطيع الوزارة في 4 سنوات، بناء ضعفي عدد المدارس التي بنتها خلال 57 عاماً هو عمر الوزارة ؟ فمن المعروف أن أي تطوير للتعليم لن يمر عبر مطابخ وغرف نوم وحمامات، المباني المستأجرة، ولن تجد بنود تطوير التعليم في هذه المباني، سوى سلالم الدرج وغرف الكهرباء المنزوعة الأسلاك لتختبئ فيها، فلذلك لن يكون خيار تطوير التعليم سوى التخلص من مبانيه المستأجرة.
صرحت الوزارة نفسها مؤخراً، أن لديها 678 مشروعاً للمدارس تم اعتمادها، ولكنها لم تبدأ بسبب عدم وجود أراض، وستظل الأراضي في شح، وفي ارتفاع متواصل، مما يجعل صعوبة بناء المدراس على الوزارة تزداد ولا تنقص، ولو أضفنا بيروقراطية وزارة المالية، وبالتالي سيزيد هذان العنصران من معاناة وزارة التربية والتعليم في الوفاء بالتزاماتها المعلنة للتخلص من المباني المستأجرة، وعدد المدارس المبنية اليوم، 10,000 مدرسة، من إجمالي 30,000 مدرسة، مما يعني أن 66% من مجمل مدارسنا مستأجر، فلو كانت الوزارة قامت ببناء هذا العدد في 57 عاماً، فهي تحتاج بهذا المقياس إلى 114 عاماً لبناء 20,000 مدرسة أخرى، مع أن هذا العدد لن يثبت مكانه، فالتعليم في توسع، ونسبة التوسع 9% كل سنة، مما يعني أن معاناتنا مع المدارس المستأجرة سوف تستمر في النمو، مع تقدم عمر الوزارة.
أما مشروع (تطوير)، فقد مضى عليه أربعة أعوام، ومدة المشروع ستة أعوام، بتكلفة تبلغ 9 مليارات ريال، وعندما بدأ كان يطلق عليه اسم (مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم)، واليوم اكتفت الوزارة بتسميته (تطوير)، وبغض النظر عن الأسماء والشكليات، فهل تكفي سنتين في تغطية إخفاق 4 سنوات، حيث تقول الوزارة إن عدد المدارس التجريبية في هذا المشروع قد وصل إلى 50 مدرسة، فكيف إذا كان لدينا 30 ألف مدرسة، فمتى يستطيع أن يغطيها هذا المشروع؟ وقد تبدل المدير العام للمشروع العام الماضي، مما يعني أن إعادة هيكلة المشروع أمر وارد، ويركز (تطوير) على أربعة محاور، واحدة منها هي تحسين البيئة التعليمية، فكيف تتحسن البيئة التعليمية ومازالت مشكلة التخلص من المباني المستأجرة أمرا غير ممكن، مما يعني أن أحد محاور المشروع الأساسية هو أمر غير وارد، والمحور الثاني هو إعادة تأهيل المعلمين والمعلمات، وقد بلغ عدد المدرسين والمدرسات نصف مليون شخص، ومازالت الوزارة تعارض فكرة إلزامية رخصة أو إجازة المعلم، مما يعني أن تطوير المعلمين بدون فرض الرخصة، هو أمر غير وارد أيضاً.
أما العقبة الثالثة، فهي ضعف مستوى طلابنا في العلوم والرياضيات، ليس ضعفاً بل سقوطاً، لأن رقم التصنيف كان مدوياً، حيث حصلت المملكة على المركز 53 في اختبار (تمساس) العالمي للرياضيات وذلك ضمن 56 دولة شاركت في هذا الامتحان، وحصلت على مستوى 49 في العلوم لنفس الدول، كان هذا عام 2003، وأعيد الامتحان مرة أخرى بعد 4 سنوات، أي عام 2007، وحافظت المملكة على نفس المستويات المتأخرة، مما يعني أن كل برامج تطوير التعليم بالمملكة عبر هذه السنوات الأربع العجاف، كلها سقطت بفشل ذريع، مما يعني أن بداية مشروع (تطوير)، الذي حدد المحور الأول منه (تطوير المناهج التعليمية)، لم يأت بنتيجة تذكر.
هموم التعليم العام، كبيرة، ومعقدة، ومتراكمة، والتعليم العام، لم يعد بحاجة اليوم، إلى منتديات، ومحافل، وصوالين، لنسرد استراتيجيات منمقة، لكنه بحاجة إلى إسعاف مباشر وفوري، والمأمول من قيادة هذا التعليم، الرشيدة، وعلى رأسهم سمو الأمير فيصل بن عبدالله، التركيز على النتائج المقاسة، سواء كانت في 100 يوم، أو 1000 يوم، لا يهم، المهم أن نجد نتيجة عملية متقدمة لمخرجات تعليمنا في مقايس الأداء العالمية وعلى رأسها (تمساس)، فخطوة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة للأمام.
http://www.alwatan.com.sa/news/write...17869&R****=81