
رسالة إلى معلمة
هذه محاضرة للشيخ إبراهيم الدويش
تنبيه ومقدمة
أما التنبيه:
فأقول هذه الكلمات لكل معلمة, معلمة الجامعة والثانوية والمتوسطة والأبتدائية ولمعلمة الرياضيات والعلوم والشريعة والتاريخ واللغة العربية والأنجليزية والرسم والأقتصاد وغيرها من التخصصات وهي لكل معلمة أيا كان حالها ومكانها وزمانها فليس الحديث لفئة خاصة ولا تخصص معين بل هو لجميع المعلمات ولكل من تشرفت :لحمل هذه الرسالة النبيلة والأمانة العظيمة فأقول
أيتها المعلمة
حق لكل أب وأم أن يفخر بك كمعلمة لفلذات أكبادهم فكل الألسن تدعو لك أنت يا صانعة الأمهات الجميع يشعرون لك بالفضل بعد الله عز وجل فأنت التي تغرسين الفضائل في نفوس أبنائهم وأنت التي تجلسين الساعات صبيحة كل يوم مع بناتنا للتوجيه والأرشاد أنت أيتها المربية من تزرع الأدب والأخلاق في نفوس بنات المسلمين كل يوم وأنت من حمل الأمانة بنشر العلم والتأديب والتهذيب بين بنات المسلمين أنت أم حنون لكل صغيرة وأخت عطوف لكل كبيرة فأليك أيتها المعلمة كل تقدير واحترام وكل شكر وامتنان, لا تعجبي يا مربية الأجيال من هذه المقدمة فهي ليست كلمات إطراء ولا عبارات مجاملة وثناء با هو والله الحق متى ما قمت بهذا الدور العظيم وأديت هذه الأمانة على الوجه الذي يرضاه الله عز وجل. إن الجميع يأتون لك كل صباح بأغلى ما يملكون, فلذات الأكباد فلا يطمأنون حتى يجلس بناتهم على عتبة باب المدرسة يسلمونك قلوب بيضاء لتسوديها بمداد التربية والتعليم. أيتها المعلمة إن تلك الآيات التي ترددها صغيرتي وتلك الكلمات التي تخطها بيدها لأول مرة لن أنساها ولن ينساها لك كل أب وأم, بل لن ينساها ربك جلا وعلا وهو القائل (إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى بعضكم من بعض)
لك أجرها وأجر من عمل بها الى يوم القيامة, أفلا .نقدر لك قدرك ونعتز ونفخر بك
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم ***** على الهدى لمن إستهدى اذلاء
وقدر كل امرىء ماكان يحسنه ***** والجاهلون لأهل العلم أعداء
ففز بعلم تعش حياً بـــه ابــدا ***** الناس موتى وأهل العلم أحياء
أيتها المعلمة:
أتراك تتحملين هذه المسؤولية العظيمة أمام الله وأمام الناس بكل صدق وإخلاص. أيتها المعلمات: هل تسائلتن يوم من الأيام كم عدد الطالبات اللاتي يخرجن كل صباح ليجلسن بين أيديكن؟ كم عدد الساعات التي تقضيها مئات الالوف بين أيديكن؟ إنها أعداد خيالية وأرقام عجيبة, مسؤوليات وواجبات وأمانات عظيمة لا بد من التوجيه والتذكير, بل لا بد من عقد الندوات والمحاضرات والمقالات, لماذا؟ لنجني ثمارا يانعة ومكاسب رائعة من هنا كانت هذه الرسالة تذكيرا وتبليغا للأخوات. أيتها المربية إن المعلمة الناجحة من تسعى لمعرفة عيوبها وتقصيرها وتحرص على تطوير نفسها وتقدمها أخلاقا ومعاملة وعلما وثقافة ولا يمكن معرفة العيوب والتقصير وتربية النفس والتطوير إلا .بالتواضع والتناصح والحرص على مكارم الأخلاق. فالتدريس فن ومهارة وأخلاق ومعاملة
الهدف والقصد
إن تحديد الهدف لأي عمل نقوم به أمر مهم جدا لنصل الى المراد بيسر وسهولة. وإذا كان هناك هدف فلا بد من وضع خطة ووسائل مناسبة للوصول للهدف في كل أمورنا ولا بد من المتابعة والتقييم لسلامة الوصول, فإذا ضاع الهدف فسد العمل وكان التخبط والتردد واللامبالاة, ولذا أقول للمعلمة انت أيتها المعلمة إسألي نفسك لماذا جئت للتدريس؟ وماذا تريدين منه؟ ما الهدف الذي من أجله توظفت بهذه الوظيفة؟ في الإستبانة أجاب 33% من المعلمات بأنها الوظيفة الوحيدة المناسبة للمرأة ولا خيار غيرها. وقالت 20% من المعلمات أنهن جءن للأستغلال المادي وعدم الحاجة لأحد, وقالت 6% للمساهمة في رفع دخل الأسرة. فأقول أيتها الأخوات من أضطرت للتدريس أو جعلتها تجارة للكسب المادي فقط, فهل يرجى منها تربية وتعليم مثمر؟ بل كيف تريد التوفيق في حياتها والبركة في كسبها وهذا ربما قصدها وغايتها؟ بل كيف ستخرج الكلمات من فيها وكيف سيكون وقعها في نفوس تلميذاتها؟ أيتها المعلمة
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرىء مانوى من دعا الى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا كما في صحيح مسلم إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها ليصلون على معلم الناس الخير كما في الترمذي! اذا أيتها المعلمة من جعل هذه الوظيفة وهذه الأمانة وسيلة للكسب المادي, أتراه يستحق هذا الثواب؟
كيف وقد فقد الإخلاص لله ولم يبتغي بتعليمه وجه ربه. فالتعليم عبادة لله تؤجرين عليها, فيها فضل عظيم وخير جسيم متى ما صلحت النية وكان القصد فيها وجه الله. والنية الخالصة تفرض عليك ايتها المعلمة رقابة داخلية وإتقان للعمل وأداء للأمانة وخوفا من الله لا من الناس وتشعرين أيضا بحلاوة التعب وقيمة الساعات التي قضيتها داخل المدرسة, فهي مخلوفة عليك من العليم الخبير مع التمتع والبركة في الراتب الشهري ولا يمنع أن تستلمي راتب أو لا يمنع الإخلاص أن تأخذي راتبا بل هذا من ثمرات الإخلاص إن شاء الله إذا صدقت وأخلصت النية لله عز وجلكل هذه من ثمرات الأخلاص وما عند الله خير وأبقى أما العمل من أجل الدنيا وطلب المال فقط وشغل الفراغ كا يدعي البعض فهي والله خسارة عظيمة بتلك الفضائل الآنفة الذكر في الأحاديث, والأمر ايتها المعلمة لا يتوقف عند خسارة هذا الشيء العظيم فقط بل الأمر أشد. فقد قال صلى الله عليه وسلم من تعلم علما يبتغي به وجه الله عز وجل لا يتعلمه الا ليصيبه غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة قاله النووي في رياض الصالحين, رواه ابو داود بإسناد صحيح. فلماذا تعلمت؟ ولماذا تعلمين؟ لا بد من محاسبة النفس وسؤالها وتوثيق النية وتجديدها, فأنت تخرجين كل صباح بل ربما تقطعين المسافات الطويلة للتدريس وتتعرضين ربما للحوادث والأخطار فأنت تسمعين وتشاهدين الكثير من الزميلات والأخوات اللاتي يتخطفهن الموت كل حين, لكني أقول هنيئا لمن ماتت وقد أحتسبت تعليمها وتعبها وذهابها ورجوعها لله تعالى, هنيئا لمن كان هدفها نشر العلم وتربية بنات المسلمين, إنها من علامات حسن الخاتمة أن تموت المعلمة وهذا هو قصدها من التدريس والتعليم. أما المقاصد الأخرى فربما أبتلى أصحابها بالهموم وكثرة المشاكل ومحق البركة بارزق ومن أتاه الله بالبصيرة وتدبر أحوال الناس والأمر في مثل هذا الواقع علم هذا أقول هذا في الدنيا أما ما عند الله فيعلمه الله. هذا من آثار عدم الإخلاص وقد قال ابن الجوزية رحمه الله إنما يتعثر من لم يخلص. نسأل الله أن يرزقنا وأياكم جميعا الإخلاص في القول والعمل وأن يبارك في علمنا وتعليمنا وأعمالنا وأموالنا والله يضاعف لمن يشاء
القدوة
إن كثيرا من المعلمات اليوم تعيش في تناقضات ومبالغات عجيبة, وإفراط في جانب وتفريط في جانب آخر, كأن تجدها مثلا تهتم بلباسها وأناقتها وجمالها وآخر الموديلات والصيحات, بل ربما جعلت المدرسة وفصلها وكالة عرض للأزياء في الوقت الذي تراها تؤكد على طالباتها بأحترام النظام واللباس داخل أسوار المدرسة. هذه صورة من صور التناقض وصورة أخرى سمعت عنها أن لبعض المدرسات عباءتين متحشمة للمدرسة وأخرى فرنسية لخارج المدرسة, فما هذا التناقض العجيب ممن يحسبن على الجيل الواعي المثقف من المعلمات المسلمات اللاواتي درسن في الجامعات والكليات, ما هذه الازدواجية في شخصية المرأة المسلمة التي هي معلمة ومربية. أيتها المعلمة أجيببي بكل صدق وإخلاصكيف تفسرين هذه التصرفات؟ أهي الغفلة أم اللامبالة؟ أم هو التخبط الفكري وإهتزاز الشخصية الإسلامية كما هو عند كثير من النساء؟ أيتها المعلمة إن فاقد الشيء لا يعطيه والتربية بالقدوة أعظم وأنجح وسيلة للتعليم, إسمعي لطالبة في الصف الثالث متوسط وهي تقول: كم أنا فخورة بنفسي الكل يتكلم عني إستطعت جذب إنتباه المعلمات والطالبات, إتبعت قاعدة خالف تعرف, تعهدات كثيرة بخط يدي واتصالات على والدتي, لكني لا أهتم, لماذا كل هذا؟ فقط لأني ألبس ملابس ضيقة لكنها ليست بضيق ملابس معلمتي, شعري قصير لكنه أطول من شعر المراقبة, أهتم بالأكسسوارات لكن ليس بكثرة إكسسوارات المعلمات, ألبس الحذاء المرتفع لكنه أخفض من حذاء المديرة, تقول عباءتي نعم فرنسية لكنها فوق الرأس وليس على الكتف مثل معلمتي, أظافري طويلة وقليلا ما أطليها بالطلاء وليس دائما مثل معلمتي, ضحكتي مجلجلة, وصرختي عالية وجراءتي شديدة وإهتمامي بنفسي كبير كل ذلك لاجذب الإنتباه, هذا ما تعلمته من .أهل القدوةفي مدرستي. انتهى كلامها
وأقول هذا رغم التحفظ على كثير من كلامها إلا إنني أقول أعانك الله أيتها المعلمة فقد أصبحت محط الانظار للناشئة من أطرف شعرة برأسك إلى أخمص قدميك, أوَ تظنين أن الأمر هين؟ بل هي أمانة وتربية ودين وكما قال صلى الله عليه وسلم ( من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ) أينها المعلمة هل تعلمين من أنت؟ وما دورك؟ وما تأثيرك؟ لا اظنك تجهلين ذلك وإلا لما أخترت هذه الوظيفة العظيمة. قال تعالى ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) إنك داعية إلى الله مهما كان تخصصك بفعلك وشكلك قبل القول, فأنت المربية وأنت القدوة وأنت المثل الأعلى أمام الطالبات, تحادثهن عن المعلمات ماذا قالت؟ ماذا فعلت؟ ماذا لبست؟ وكيف شعرها؟ كيف مشيتها؟ هذه الكبيرة من الطالبات, أما الصغيرة فمهما قالت الأم أو الأب فالقول ما قالت المعلمة, فهي التي لا تخطىء وما تقول إلا الصواب, إلى هذا الحد يصل تأثيرك بل أكثر فلا تعجبي ولا تجزعي وأنا أؤكد وأكرر على هذا الجانب التربية بالقدوة فأنك مهما تعبتي في التحضير ومهما صدقت بالكلام أمام الطالبات فاحق عندهن ما تفعلين وتلبسين فالعين تسبق الأذن والمشاهدة أبلغ من السماع وليس من رأى كمن سمع. يقول الشافعي موصيا مؤدب أولاد الخليفة الرشيد ليكن أول ما تبداء به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاح نفسك فإن أعينهم معقودة بعينك فالحسن عندهم ما تستحسنه والقبيح عندهم ما تكرهه .إنتهى كلامهفالتناقض بين القول والعمل والظاهر والباطن وإزدواجية التوجيه وتناقضه من أكبر مشكلات الجيل المعاصر, فالمدرسة التي تتحدث لطالباتها عن الستر والعفاف ومكارم الأخلاق والآداب ثم يرين فتحة لباسها إلى ركبتها أو قصها لشعرها أو البذاءة في كلامها وشرحها وسوء أخلاقها لن يسمع لكلامها بل ستكون عرضة للسخرية والاستهزاء وكأن بك أيتها المعلمة :تتكلمين في الفصل ولسان حال الطالبة تردد
ياأيها الرجل المعلم غيره ***** هل لنفسك كان ذا التعليم
إبداء بنفسك فانهها عن غيها ***** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى ***** للرأي منك وينفع التعليم
ما أكثر المواقف التربوية التعليمية في السيرة النبوية تلك التي توضح الأثر الفعال للقدوة والمقام ليس مقام بسط لهذه المواقف لكن خذي: قال البخاري في صحيحه باب الأقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرّج حديث إتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتم من ذهب فاتخذ الناس خواتم من ذهب فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني اتخذت خاتم من ذهب فنبذه وقال أني لن ألبسه إبدا فنبذ الناس خواتمهم فقال ابن قطان فدل ذلك على أن .الفعل أبلغ من القول انتهى كلامه
أيتها المعلمة إنها التربية بالقدوة لها أثر بليغ وفعال فكيف من اعتلت منصة التوجيه والتربية والتعليم؟
إسمعي لهذه الطالبة تقول لمعلمتها نسيت تلك المرّة التي وقفت فيها في طابور الصباح وطلبت مني أن أخلع اسورة كنت أزين بها معصمي, فعلت ما طلبته وظللت أرقب زينتك المفرطة وأساورك الكثيرة وأصباغ وجهك وهندامك الذي بدأنا نشتغل بتتابع خطوطه وألوانه .عن متابعة الدرس وربما وصل بنا الأمر إلى رسم الموديل خلف دفاترنا انتهى كلامها
وهذه طالبة أخرى تقول علم الله كم تأثرت يا معلمتي وأنت تشرحين درسا في المطالعة عنوانه صوني حجابك, حقا تأثرت وشعرت بأهمية هذا السواد الذي نضعه على أجسادنا, لكن ما هي إلا ساعات وإذا بك تخرجين من بوابة المدرسة وقد وضعت عباءتك على كتفك بصورة جميلة ملفتة للنظر, وددت لو سألتك حينها أهذه صورة من صور حفظ الحجاب التي تحدثت عنها صباحا, وليت الأمر وقف عند هذا الحد بل إني رثيت لحال زميلتي العاقلة والتي راقها .منظر عباءتك وحسّنه الشيطان لها فما عدت أراها إلا وعباءتها على كتفها انتهى كلامها
أيتها المعلمة أنت تحت المجهر فالطلبات ينتظرن منك دائما الصواب ويستكثرن