لقد تحدثت في درس سابق عن المدارس النحوية وأشهر علماء تلك المدارس وهذا الدرس على الرابط التالي
http://www.saudi-teachers.com/vb/t56222.html
واليوم سوف أتحدث عن
*
المدرسة البصرية
تعتبر البصرة بحق واضعة النحو , وفاتحة أبوابه حيث على أيديهم استغلظ, واستوى على سوقه، فإنَّ علم النحو الذي نما وشاع حتى عصرنا الحاضر هو النحو البصري، فجميع ما يتعلق بالمصطلحات والأصول النحوية وردت عنهم, وذلك أنهم سبقوا الكوفيين فيه نتيجة انشغال الكوفيين بمشاغل تخصهم وإنَّ استدراكات الكوفيين في ذلك كانت بسيطة تتعلق بالفروع النحوية ومرد ذلك أنهم أخذوا علمهم عن البصريين, وعدا ذلك لم نؤثر عن الكوفيين كتبا نحوية جامعة للنحو.ويمكننا القول هنا إنَّ شهرة البصريين تأتت لهم من خلال أسلوبهم في استقراء اللغة من مصادرها حيث اعتمدوا على السماع والقياس، وكانت طريقتهم في السماع أنهم قيدوا ذلك بمقاييس من مثل البيئة والمكان والثقة والكثرة،
وقد اشترطوا, وحددوا عمن يأخذون اللغة, وقيدوا ذلك بالقبائل البدوية التي حافظت على لغتها, وكانت بعيدة كلَّ البعد عن مخالطة الحواضر والعجم وحددوها بأسد وتميم وقيس, وأخذوا من هذيل, وبعض كنانة, وبعض الطائيين،كما روي أنَّ الكسائي أعجبه علم الخليل, فسأله من أين علمك؟ فأجابه: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة, وهذا يجسد دقة البصريين في الأخذ عن القبائل العربية الخالصة البداوة، وهم يتفاخرون في ذلك, ويدلل عليه قول الرياشي: ((نحن نأخذ اللغة عن حرشة الضباب, و أكلة اليرابيع, وهؤلاء أخذوا اللغة عن أهل السواد أصحاب الكواميخ, وأكلة الشواريز "] ومما يزيد ذلك أنهم كانوا لا يروون إلا من يثقون بهم كلَّ الثقة؛ لذلك خرج من مصادرهم كثير من القبائل العربية؛ لمخالطتهم العجم, أو لشيوع اللحن فيها, ومن أمثلة السماع أنَّ سيبويه في باب ما تكون فيه أنَّ وأنْ مع صلتهما بمنزلة غيرهما من الأسماء قال: قولك: ((ما أتاني إلا أنهم قالوا: كذا وكذا)) فأنَّ في موضع اسم مرفوع كأنَّه قال: ((ما أتاني إلا قولهم كذا وكذا)) ومثله قولهم : ((ما منعني إلا أنْ يغضب عليَّ فلان)) والحجة على أنَّ هذا في موضع رفع أنَّ أبا الخطاب حدثنا أنَّه سمع من العرب الموثوق بهم من ينشد هذا البيت رفعًا
لم يمنع الشرب منها غيرُ أنْ نطقت **** حمامة في غصون ذات أوقالِ
وزعموا أنَّ ناسًا من العرب ينصبون ذلك, وموطن الشاهد في البيت هو ((غيرُ)) مبنية على الضم في محل رفع فاعل, والمصدر المؤول (أن نطقت) في محل جر بالإضافة, ويروى بفتح غير, فيكون المصدر المؤول فاعل
* وأما جانب القياس فقد اعتمدوا على أسس عقلية منطقية حيث لا يقيسون إلا على الكثرة المطردة, واغفلوا جانب القلة والشاذ حتى أنهم كانوا يقفون مع ذلك بالتأويل, والتعليل حتى ينقاد مع أقيستهم المطردة، وقد عرف عنهم ولعهم بالقياس حتى أنَّ بعض النحويين المحدثين وصفوهم بغلبة القياس عليهم, فقد روى الزبيدي في كتابه( طبقات النحويين واللغويين): ((إنَّ أول من بعج النحو ومدّ القياس, وشرح العلل هو عبد الله بن أبي إسحاق)) وروى السيرافي
( كان الخليل الغاية في استخراج النحو, وتصحيح القياس فيه)) وقد ذكر سعيد الأفغاني أنَّ لموقع البصرة على سيف البادية ووجود سوق المربد فيها أثره في فصاحة أهل البصرة, وسلامة لغتهم ومن أمثلة القياس أنَّ سيبويه كان يقيس اسم الفاعل على الفعل المضارع في العمل فيقول: ((وقولك:هذا ضاربٌ زيدًا غدًا, فمعناه وعمله مثل : هذا يضرب زيدًا غدًا)) , وأما قضية الثقة بالراوي فيدلل عليه أنَّ الأصمعي قال: قلت للطرماح : أين نشأت ؟ قال: (( بالسواد ، والشعر بالكوفة أكثر وأجمع منه بالبصرة ، ولكن أكثره مصنوع ومنسوب إلى من لم يقله، وذلك بين في دواوينهم )) هذا هو ديدن البصريين ومنهجهم في القياس, و أنَّهم كانوا يتحرون الدقة في الرواية, والسماع.
ومن أشهر النحاة في المدرسة البصرية أبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو بن سليمان ت 69 هـ , ونصر بن عاصم الليثي ت89 هـ , وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي ت117هـ،, وعيسى بن عمر الثقفي ت 149هـ،, وأبو عمرو بن العلاء ت 154هـ , والخليل بن أحمد الفراهيدي ت 172هـ , ويونس بن حبيب ت182هـ , وعمرو بن عثمان بن قنبر سيبوية ت180هـ , وأبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش ت211هـ , أبو علي محمد بن المستنير قطرب ت206هـ , وأبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي المبرد ت285هـ , وأبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج ت311هـ , وأبو بكر محمد بن السري ابن السراج ت316هـ.
http://www.saudi-teachers.com/vb/t56222.html
واليوم سوف أتحدث عن
*
المدرسة البصرية
تعتبر البصرة بحق واضعة النحو , وفاتحة أبوابه حيث على أيديهم استغلظ, واستوى على سوقه، فإنَّ علم النحو الذي نما وشاع حتى عصرنا الحاضر هو النحو البصري، فجميع ما يتعلق بالمصطلحات والأصول النحوية وردت عنهم, وذلك أنهم سبقوا الكوفيين فيه نتيجة انشغال الكوفيين بمشاغل تخصهم وإنَّ استدراكات الكوفيين في ذلك كانت بسيطة تتعلق بالفروع النحوية ومرد ذلك أنهم أخذوا علمهم عن البصريين, وعدا ذلك لم نؤثر عن الكوفيين كتبا نحوية جامعة للنحو.ويمكننا القول هنا إنَّ شهرة البصريين تأتت لهم من خلال أسلوبهم في استقراء اللغة من مصادرها حيث اعتمدوا على السماع والقياس، وكانت طريقتهم في السماع أنهم قيدوا ذلك بمقاييس من مثل البيئة والمكان والثقة والكثرة،
وقد اشترطوا, وحددوا عمن يأخذون اللغة, وقيدوا ذلك بالقبائل البدوية التي حافظت على لغتها, وكانت بعيدة كلَّ البعد عن مخالطة الحواضر والعجم وحددوها بأسد وتميم وقيس, وأخذوا من هذيل, وبعض كنانة, وبعض الطائيين،كما روي أنَّ الكسائي أعجبه علم الخليل, فسأله من أين علمك؟ فأجابه: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة, وهذا يجسد دقة البصريين في الأخذ عن القبائل العربية الخالصة البداوة، وهم يتفاخرون في ذلك, ويدلل عليه قول الرياشي: ((نحن نأخذ اللغة عن حرشة الضباب, و أكلة اليرابيع, وهؤلاء أخذوا اللغة عن أهل السواد أصحاب الكواميخ, وأكلة الشواريز "] ومما يزيد ذلك أنهم كانوا لا يروون إلا من يثقون بهم كلَّ الثقة؛ لذلك خرج من مصادرهم كثير من القبائل العربية؛ لمخالطتهم العجم, أو لشيوع اللحن فيها, ومن أمثلة السماع أنَّ سيبويه في باب ما تكون فيه أنَّ وأنْ مع صلتهما بمنزلة غيرهما من الأسماء قال: قولك: ((ما أتاني إلا أنهم قالوا: كذا وكذا)) فأنَّ في موضع اسم مرفوع كأنَّه قال: ((ما أتاني إلا قولهم كذا وكذا)) ومثله قولهم : ((ما منعني إلا أنْ يغضب عليَّ فلان)) والحجة على أنَّ هذا في موضع رفع أنَّ أبا الخطاب حدثنا أنَّه سمع من العرب الموثوق بهم من ينشد هذا البيت رفعًا
لم يمنع الشرب منها غيرُ أنْ نطقت **** حمامة في غصون ذات أوقالِ
وزعموا أنَّ ناسًا من العرب ينصبون ذلك, وموطن الشاهد في البيت هو ((غيرُ)) مبنية على الضم في محل رفع فاعل, والمصدر المؤول (أن نطقت) في محل جر بالإضافة, ويروى بفتح غير, فيكون المصدر المؤول فاعل
* وأما جانب القياس فقد اعتمدوا على أسس عقلية منطقية حيث لا يقيسون إلا على الكثرة المطردة, واغفلوا جانب القلة والشاذ حتى أنهم كانوا يقفون مع ذلك بالتأويل, والتعليل حتى ينقاد مع أقيستهم المطردة، وقد عرف عنهم ولعهم بالقياس حتى أنَّ بعض النحويين المحدثين وصفوهم بغلبة القياس عليهم, فقد روى الزبيدي في كتابه( طبقات النحويين واللغويين): ((إنَّ أول من بعج النحو ومدّ القياس, وشرح العلل هو عبد الله بن أبي إسحاق)) وروى السيرافي
ومن أشهر النحاة في المدرسة البصرية أبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو بن سليمان ت 69 هـ , ونصر بن عاصم الليثي ت89 هـ , وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي ت117هـ،, وعيسى بن عمر الثقفي ت 149هـ،, وأبو عمرو بن العلاء ت 154هـ , والخليل بن أحمد الفراهيدي ت 172هـ , ويونس بن حبيب ت182هـ , وعمرو بن عثمان بن قنبر سيبوية ت180هـ , وأبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش ت211هـ , أبو علي محمد بن المستنير قطرب ت206هـ , وأبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي المبرد ت285هـ , وأبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج ت311هـ , وأبو بكر محمد بن السري ابن السراج ت316هـ.