

من ينصف المعلمين ؟؟
أشك أن وزارة التربية والتعليم بوضعها الحالي ستحقق النجاح المأمول في مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، الذي ستنطلق أولى مراحله الأسبوع المقبل. فقد اطّلعتُ على آليات التنفيذ ووجدتها خالية من أي برنامج يعالج الآثار النفسية والاجتماعية التي يعاني منها المعلمون والمعلمات، بعد أن وصلت العلاقة المتوترة بينهم وبين وزارتهم إلى أروقة المحاكم، وساحات القضاء، وأصبحوا ينظرون إلى الوزارة على أنها خصم لدود حرمهم من مستحقاتهم المالية، وتعاملت بسلبية مع قضيتهم طوال السنين الماضية.
* ليسمح لي الزملاء الأعزاء في الوزارة أن أنقل إليهم جانبًا ممّا يتداوله العاملون في الميدان، حيث يعيش نصف المعلمين حالة من الغبن والإحباط؛ لأنهم عُيّنوا على مستويات أقل، وحُرموا من مستحقاتهم المالية طوال ثلاثة عشر عامًا، ويرون أن مسؤولي الوزارة يستأثرون بالحوافز والانتدابات وخارج الدوام والبدلات والسفريات، في حين بخست جزءًا من رواتبهم دون وجه حق.
* أمّا النصف الثاني فيشعرون بحالة من السأم والملل، يصل عند البعض منهم إلى حد عدم الاكتراث، ويقولون إن المدرسة الواحدة تستقبل سنويًّا أكثر من ألف تعميم، نصفها تهديد ووعيد، والنصف الآخر أعباء ومهام تقتل روح الإبداع والمبادرة.
* يقولون إن الوزارة حرمتهم حتى من الإجازة المرضية، وحددت أيامًا معيّنة في الأسبوع يُسمح للمعلم بالمرض فيها!! يشعرون أن الوزارة تتفنن في التنغيص عليهم عندما تطلب منهم الحضور لمجرد التوقيع في سجل الدوام شهرًا كاملاً قبل الإجازة الصيفية.
يقولون إن مسؤولي الوزارة مشغولون بتزيين ديكورات مكاتبهم، وتبخيرها، فيما لا زالت كثير من المدارس لا يوجد بها غرف للمعلمين، وإن وجدت فهي في المطابخ، ويتم تأثيثها على حسابهم الخاص.
* يقولون إن الوزارة تتعامل معنا وكأننا “عمال” وهمّها الوحيد استنفاد طاقاتنا، وتضييق الخناق علينا بأنظمة ولوائح متناقضة لا تخدم الأداء التربوي بقدر ما تشحن الأجواء، وتشوّه صورة المعلم أمام طلابه وأولياء الامور وفئات المجتمع.
* يقول المعلّمون إنهم الفئة الوحيدة بين موظفي الدولة التي تتوقف علاوتهم بعد 24 سنة من الخدمة، وإنهم -الفئة الوحيدة- الذين لا يحصلون على إجازاتهم الاضطرارية إلاَّ بشروط تعجيزية مخالفة للنظام. وإنهم -الفئة الوحيدة- الذين لا يوجد لهم نظام يحميهم من اعتداء الطلاب والآباء، وعليهم معالجة الأحداث تربويًّا، وتقبّل الشتائم والألفاظ البذيئة بكل أبوة وحنان!!
* استغربُ كيف غاب عن القائمين على صياغة هذا المشروع الوطني الضخم تحسس احتياجات المعلمين، وتعزيز الجوانب التي تدفعهم إلى مزيد من العطاء والإبداع. إذ إنهم بهذا الشعور وهذا الوضع “المأساوي” لن يستطيعوا التفاعل مع التطوير. فهم بحاجة إلى دعم نفسي ولن يتم إلاَّ بتحسين أوضاعهم المادية، وصرف حقوقهم بأثر رجعي، والإعلان عن كادر جديد يوازي جهودهم ويلائم المتطلبات المعيشية المعاصرة. ولن يتم إلاَّ بمشروع وطني معنوي مماثل يرفع من قيمة المعلم، ويضعه في المكانة اللائقة التي تجعلنا نطمئن على مستقبل أجيالنا، وتستطيع بعدها الوزارة أن تحاسب المقصّر.. أمّا بدون ذلك فسيظل المشروع مهددًا بالفشل. ويا أمان الخائفين.
http://www.al-madina.com/node/59291