حاز الرضا الوظيفي بالاهتمام والعناية من قبل الشركات وأرباب الأعمال, ومن جهات التوظيف الحكومية والخاصة, كما حظي باهتمام الباحثين والدارسين, ومراكز الأبحاث في الجامعات, ومؤسسات التعليم العالي, وذلك لما له من تأثير واضح في الإنتاجية والأداء الذي يقوم به الموظف, أو العامل في أي مستوى, أو أي مجال من مجالات العمل. ونظراً لأن الرضا الوظيفي يترتب عليه إنتاجية عالية وجيدة, لذا يكون عدم الرضا سبباً في انخفاض الإنتاجية ورداءة المخرجات، ما يترتب عليه خسارة الشركة أو صاحب العمل. ونظراً للتنافس الشديد بين الشركات والمصانع وجهات التوظيف, لذا يكون الاهتمام بالرضا الوظيفي من أولويات الأمور التي لا بد من الاهتمام, والعناية بها بهدف استمرار وفرة الإنتاج وجودته في الوقت ذاته.
وغني عن التأكيد على أن الرضا الوظيفي يسهم في تحقيقه كثيرا من العوامل المادية, والمعنوية, فراتب الموظف أو العامل, وبيئة العمل, وسلامتها, وتوافر الإمكانات اللازمة لأداء الوظيفة أو المهمة, وزملاء العمل, والصراع الذي قد يوجد في بيئة العمل, والأنظمة, واللوائح, والعلاقة مع الرؤوساء, وطبيعة العمل من حيث صعوبته أو سهولته كل هذه وغيرها تشكل عوامل أساسية لا بد من الاهتمام بها عند دراسة, أو بحث موضوع الرضا الوظيفي.
ما دعاني للكتابة حول هذا الموضوع أهميته الواضحة في مجال العمل, إضافة إلى علاقتي الوثيقة بهذا الموضوع الذي اهتم به علماء النفس, ونظروا فيه وبحثوا فيه سعياً منهم إلى إيجاد الاستراتيجيات, والتقنيات السلوكية التي تهيئ الظروف لتحقيق الرضا الوظيفي، بغض النظر عن مجال عملهم. وما دفعني بصورة مباشرة للكتابة حول الموضوع الخبر الذي ورد في صحفنا خلال الأيام الماضية بشأن اللجنة التي تشكلت من جهات عدة, وبأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لدراسة وضع المعلمين والمعلمات المعينين على مستويات أقل مما يستحقون حسب نظام الكادر التعليمي.
لقد كتب حول هذا الموضوع من قبل كثيرون, سواء من المعلمين أنفسهم أو من الكتاب والمثقفين الذين يهمهم تناول القضايا ذات الشأن العام، خاصة أن هذا الموضوع يهم شريحة كبيرة من المعلمين الذين عينوا خلاف ما نص عليه النظام, وقبلوا بالوضع في حينه نظراً لندرة الوظائف, وأملاً في تحسين أوضاعهم في أقرب فرصة، لكن الزمن طال عليهم وهم يرزحون في مستويات أقل بكثير مما يستحقون. المعلمون المتخرجون في الجامعات أو ما يعادلها ولديهم تأهيل تربوي يستحقون المستوى الخامس حسب الكادر التعليمي، لكن الممارسات الخاطئة عينتهم على المستوى الثاني أو المستوى الثالث في أحسن الأحوال, كما أنهم كانوا يعينون على بنود ابتدعتها البيروقراطية وضيق الأفق الإداري والاجتماعي، حيث كان المعلمون والمعلمات يعينون على بند 106 وبند 105 وغيرهما من المسميات التي لا أدري ما هو أساسها التنظيمي ولا أسسها الفلسفية والتربوية؟ وحسبي أن من فكر في هذه البنود قد أسقط من حساباته الجانب التربوي, كما أسقط البعد الإنساني للمعلمين الذين من حقهم أن يعيشوا حياة كريمة هم وأفراد أسرهم وهذا يصعب تحقيقه في ظل التعيين على مستويات رواتبها لا تفي بمتطلبات الحياة التي تزداد يوماً بعد يوم.
لا أخفي سعادتي بالخبر، ليس لأني أعمل في حقل التربية والتعليم فقط, ولكن لأني أدرك المنافع المترتبة على إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي, وتعيين المعلمين والمعلمات في المستويات التي يستحقونها نظاماً, إضافة إلى تعويضهم عن السنوات الماضية التي أمضوها في المستويات الأقل. أول هذه المنافع يتمثل في رضا المعلمين والمعلمات عن عملهم, وشعورهم أن المجتمع يقدر الدور الذي يقومون به تجاه أجيال المستقبل, الذين يعتمد عليهم الوطن ـ بعد الله. إن رضا المعلمين والمعلمات بشأن رواتبهم, ودخولهم من شأنه الرفع من معنوياتهم, وزيادة دافعيتهم نحو عملهم, وتقوية ولائهم الوظيفي, وإحداث اتجاهات إيجابية نحو مهنتهم, إضافة إلى زيادة إيمانهم بأهمية الدور الذي يقومون به خاصة مع الصعوبات التي يواجهونها في الميدان مع الطلاب, ومع أولياء الأمور, وفي البيئة المدرسية التي قد تفتقد بعض المقومات في بعض الحالات والظروف.
إن تحسين أوضاع المعلمين والمعلمات سينعكس على سلوكهم وتصرفاتهم, وعلى علاقاتهم مع طلابهم, ورؤسائهم, وزملائهم, ما يجعل البيئة المدرسية مفعمة بالنشاط, والحيوية, والجدية, والعمل الدؤوب الذي تكون نتيجته الحتمية الرفع من مستوى الأداء التعليمي, والتربوي, ومن ثم الرفع من مستوى المخرجات التعليمية الذي كثر الحديث عن تواضعه في الآونة الأخيرة، بل وضعفه. لا يوجد لدي إحصائيات عن عدد من سيشملهم تحسين المستوى عدا أن الخبر أشار إلى أنه يشمل المعينين منذ عام 1421 حتى عام 1429 وهذا يعني شموليته الآلاف من المعلمين الذين يعملون في جميع المراحل التعليمية, وفي مناطق المملكة كافة, وهذا مكسب لآلاف الأفراد, والعائلات الذين ستتحسن دخولهم, وفي هذا محاربة للفقر الذي جعلته الدولة على قائمة اهتمامها, وخططها الاستراتيجية.
إن معالجة الأخطاء السابقة أمر مشكور، لكن الأفضل أن نتجنب من الأساس تلك القرارات التي أوجدت بند 106 وأمثاله, التي أفرزت كثيرا من الظواهر السلبية ليس في الميدان التربوي فحسب، بل على صعيد المجتمع بشكل عام. إن اهتمامنا بالشأن التربوي بصورة عامة, ومن ضمنه المعلم, والمعلمة يعكس درجة رقينا واهتمامنا بمجتمعنا في جميع المجالات، ذلك أن الطبيب، العسكري, المهندس, والإداري, وكل من يزاول عملاً أو مهنة من المهن كل هؤلاء هم نتاج المعلم, فإن نجحنا في إيجاد معلم راض عن عمله، وبيئته, ودخله، نكون قد نجحنا في شق طريقنا نحو العالمية في شؤون الحياة كافة .
إذا لمــــاذا الصمـــت من قبـــل اللجنـــة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لا فـــض فـــوك .... دكتور عبـــدالرحمـــن