شايع بن هذال الوقيان
تشير الدراسات الاجتماعية والتنموية والاقتصادية إلى أن دوائر التربية والتعليم هي القاعدة الأساسية والراسخة لأي تطور حضاري وتقدم اقتصادي وتقني. ومادام التعليم متخلفاً عن ركب التقدم فإن كافة المجالات ومناحي الحياة سوف تعاني كثيراً في مسيرتها وفي نهضتها. ويمكن القول إن التعليم هو أنسب مكان لصناعة العقول ولترقية وتهذيب الأجيال. وهذا لا يعني بالطبع أن المناحي الأخرى كالبيت والمجالس الاجتماعية والإعلام والآداب الشعبية ليس لها دور في صناعة العقول، ولكن التعليم يأخذ طابعاً مؤسسياً منظماً يكفل له الدقة في صياغة وصناعة العقول.
وانطلاقاً من هذا التقرير فإن الدولة أخذت على عاتقها العناية بتطوير التعليم وصرف المبالغ المالية الطائلة والجهود البشرية من أجل تحقيق هذا الهدف النبيل.
ولكننا رغم كل هذه المبالغ والجهود والنوايا الصادقة لم نزل نعاني من ضعف القطاع التعليمي والتربوي ولا تزال التحديات مطروحة أمامه بصورة مربكة. وبما أن حديثي سيكون مقتصراً في هذا المقال على أحد أركان العملية التعليمية والتربوية وهو المعلم. إلا أنني أودُّ قبل ذلك أن أشير إلى أنَّ الجهود الجبارة المبذولة في تطوير الجوانب الفنية والشكلية والتقنية لن تؤتي ثمارَها مادمنا نغضُّ الطرفَ عن الجوانب المضمونية والفكرية للتعليم. أقصد أننا بحاجة ملحّة إلى إعادة النظر في «فلسفة التربية والتعليم» بوصفها القاعدة النظرية التي لا يمكن تحقيق الهدف المراد من دونها. ففي الدول المتقدمة – التي نوفِد إليها، ليل نهار، مندوبي التربية والتعليم لاقتباس تجاربهم – نقتصر في عملية الاقتباس هذه على أخذ القشور دون اللباب. فهناكَ نجدُ أن المشاركين في تأسيس «فلسفة التعليم» هم من نخبة المفكرين والعلماء من كل المجالات ؛ فيشترك بها علماء التربية وعلماء النفس وعلماء الطفولة وعلماء اللغات وعلماء الاجتماع وعلماء الاقتصاد وعلماء الجغرافيا والبيئة، إضافة إلى المعلمين. كما وتجرى التجارب الميدانية في بيئة التعليم ذاتها من أجل الخروج بأفضل النتائج وأقوم السبل. ولا يمكن لنا أن نأخذَ نماذجَ وبرامجَ واستراتيجيات تعليمية وتربوية من بيئات مغايرة للبيئة التي نعيش بها ونطبِّقها بشكل عفوي على بيئتنا التعليمية!. فمآلها إلى الفشل مادامت الفجوة قائمة بين النظرية والتطبيق. فالآليات التطبيقية التي نقتبسها ونرصد من أجلها المليارات نابعة من نظريات وفلسفات تعليمية مغايرة، ولن يتحقق لها النجاح عندنا ما لم نبادر إلى إعادة النظر في فلسفة التعليم وإعادة صياغتها وبنائها على أسس علمية وفكرية ومنهجية حديثة نابعة من واقعنا الاجتماعي وطموحنا التنموي، وألا نكتفي بتدوين بنود وفقرات إنشائية وارتجالية ثم نسميها فلسفة تعليم!
فلنعدْ إلى المعلم.. فمن الملاحظ أنَّ الجهود التي قامت بها الوزارة وإداراتها في الآونة الأخيرة أخذت تحمِّلُ المعلمَ فوق ما لا يحتمل، وبدأت تنظر إليه وكأنه المسؤول الوحيد عن نجاح أو فشل العملية التعليمية. وقد ترافقت هذه النظرة إلى المعلم مع إهمال وتهميش واضحين له في أغلب الخطط والاستراتيجيات. وأصبح المعلمون يشعرون أنهم خصومٌ للوزارة وللمديرين والمشرفين – وهذا الشعور يمكن أن تلمسَه في ما يبوح به المعلمون في المنتديات والمجالس والإعلام.
في المأثور الشعبي نسمع أن «فاقد الشيء لا يعطيه» وبما أن المعلم مطالب من كل الجهات بأن يكون هو المسؤول الأول والأخير في العملية التعليمية والتربوية، أي مطالَب بأن يعطي ويبذل ويجتهد، إلا أنه في المقابل يواجَه بواقعٍ سلبي تماماً ندرة في الإمكانات المادية والمعنوية، قلة للوسائل التعليمية والتربوية، رداءة وسوء المباني والمدارس، ضغط العمل والساعات بشكل لا يطاق، انعدام للحوافز ,... الخ.
هذا الواقع السلبي وهذه المطالب الباهظة الملقاة على عاتق المعلم تنتهي به إلى نوع من الإحباط والتشاؤم. ولو قدِّر للمعلم أن ينتقل للعمل في مكان آخر، ولنقل إحدى شركات القطاع الخاص الكبرى التي توفر لموظفيها الإمكانات والحوافز والبعثات وتطوير القدرات لأصبح – بين عشية وضحاها – شخصاً آخرَ ومختلفاً تماماً ؛ شخصاً فاعلاً ومعطاءً. فالعيب ليس فيه، فهو فردٌ وجهده لا يقارن بجهد المؤسسة، ولا يمكن بحال أن نتجاهل أثر الحوافز المعنوية والمادية في نفوس البشر. إنهم مجبولون على حب الثناء وحب التقدير وحب المال. وهذه الجوانب الاعتبارية من أهمّ الجوانب التي أشار إليها علماء النفس. ويجب على المسؤولين في القطاع التعليمي أن يراعوا هذا الجانب، فلا يعقلُ أن تصرَف الملايين على تطوير مادتي الرياضيات والعلوم مثلاً، ولا يصرفُ ريال واحد كحافزٍ لمعلمي هذه المادتين! (ماذا تتوقعون لو تم صرف مكافآت مالية للمعلمين المبدعين بدلاً من الشهادات التي هي حبر على ورق؟ أجزم بأن الغالبية العظمى من المعلمين سيكونون مبدعين!).
إن مادة الرياضيات المطوَّرة لن تجعل الطالب عبقرياً ما لم يكن المعلمُ مطوَّراً هو أيضاً! – ولن يكون كذلك مادام حاله كما وصفنا. أقصد أن الواقع السلبي الذي يعانيه المعلم من ضغط هائل في العمل، ومن كثرة المطالب التي تأتيه من كل حدبٍ وصوب، ومن انعدام الحوافز المادية، ومن غياب البعثات التي هو أحق بها من غيره... كل هذا لن يجعل المعلم مبدعاً في عمله حتى ولو صرفت مليارات الريالات على تطوير مادة أو اثنتين من المواد.
والآن صرنا نسمع بشكوى المعلمين التي رفعوها ضد الوزارة – أقصد المعلمين الذين تم تعيينهم على مستويات أدنى من المستويات المستحقة ومطالباتهم بالفروقات المالية- ويبدو لي أن هذه الشكوى المريرة غيض من فيض، ولا أتوقع أنَّ في تجاهلها خيراً للتربية والتعليم، خصوصاً أن الأوضاع الاقتصادية صارت هاجساً لدى كل مواطن، وأن عدم توفير مستوى مقبول ومأمون من المعيشة سيكون عائقاً في وجه التنمية المراد تحقيقها في التعليم وفي غيره.http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20081221/Con20081221247514.htm
تشير الدراسات الاجتماعية والتنموية والاقتصادية إلى أن دوائر التربية والتعليم هي القاعدة الأساسية والراسخة لأي تطور حضاري وتقدم اقتصادي وتقني. ومادام التعليم متخلفاً عن ركب التقدم فإن كافة المجالات ومناحي الحياة سوف تعاني كثيراً في مسيرتها وفي نهضتها. ويمكن القول إن التعليم هو أنسب مكان لصناعة العقول ولترقية وتهذيب الأجيال. وهذا لا يعني بالطبع أن المناحي الأخرى كالبيت والمجالس الاجتماعية والإعلام والآداب الشعبية ليس لها دور في صناعة العقول، ولكن التعليم يأخذ طابعاً مؤسسياً منظماً يكفل له الدقة في صياغة وصناعة العقول.
وانطلاقاً من هذا التقرير فإن الدولة أخذت على عاتقها العناية بتطوير التعليم وصرف المبالغ المالية الطائلة والجهود البشرية من أجل تحقيق هذا الهدف النبيل.
ولكننا رغم كل هذه المبالغ والجهود والنوايا الصادقة لم نزل نعاني من ضعف القطاع التعليمي والتربوي ولا تزال التحديات مطروحة أمامه بصورة مربكة. وبما أن حديثي سيكون مقتصراً في هذا المقال على أحد أركان العملية التعليمية والتربوية وهو المعلم. إلا أنني أودُّ قبل ذلك أن أشير إلى أنَّ الجهود الجبارة المبذولة في تطوير الجوانب الفنية والشكلية والتقنية لن تؤتي ثمارَها مادمنا نغضُّ الطرفَ عن الجوانب المضمونية والفكرية للتعليم. أقصد أننا بحاجة ملحّة إلى إعادة النظر في «فلسفة التربية والتعليم» بوصفها القاعدة النظرية التي لا يمكن تحقيق الهدف المراد من دونها. ففي الدول المتقدمة – التي نوفِد إليها، ليل نهار، مندوبي التربية والتعليم لاقتباس تجاربهم – نقتصر في عملية الاقتباس هذه على أخذ القشور دون اللباب. فهناكَ نجدُ أن المشاركين في تأسيس «فلسفة التعليم» هم من نخبة المفكرين والعلماء من كل المجالات ؛ فيشترك بها علماء التربية وعلماء النفس وعلماء الطفولة وعلماء اللغات وعلماء الاجتماع وعلماء الاقتصاد وعلماء الجغرافيا والبيئة، إضافة إلى المعلمين. كما وتجرى التجارب الميدانية في بيئة التعليم ذاتها من أجل الخروج بأفضل النتائج وأقوم السبل. ولا يمكن لنا أن نأخذَ نماذجَ وبرامجَ واستراتيجيات تعليمية وتربوية من بيئات مغايرة للبيئة التي نعيش بها ونطبِّقها بشكل عفوي على بيئتنا التعليمية!. فمآلها إلى الفشل مادامت الفجوة قائمة بين النظرية والتطبيق. فالآليات التطبيقية التي نقتبسها ونرصد من أجلها المليارات نابعة من نظريات وفلسفات تعليمية مغايرة، ولن يتحقق لها النجاح عندنا ما لم نبادر إلى إعادة النظر في فلسفة التعليم وإعادة صياغتها وبنائها على أسس علمية وفكرية ومنهجية حديثة نابعة من واقعنا الاجتماعي وطموحنا التنموي، وألا نكتفي بتدوين بنود وفقرات إنشائية وارتجالية ثم نسميها فلسفة تعليم!
فلنعدْ إلى المعلم.. فمن الملاحظ أنَّ الجهود التي قامت بها الوزارة وإداراتها في الآونة الأخيرة أخذت تحمِّلُ المعلمَ فوق ما لا يحتمل، وبدأت تنظر إليه وكأنه المسؤول الوحيد عن نجاح أو فشل العملية التعليمية. وقد ترافقت هذه النظرة إلى المعلم مع إهمال وتهميش واضحين له في أغلب الخطط والاستراتيجيات. وأصبح المعلمون يشعرون أنهم خصومٌ للوزارة وللمديرين والمشرفين – وهذا الشعور يمكن أن تلمسَه في ما يبوح به المعلمون في المنتديات والمجالس والإعلام.
في المأثور الشعبي نسمع أن «فاقد الشيء لا يعطيه» وبما أن المعلم مطالب من كل الجهات بأن يكون هو المسؤول الأول والأخير في العملية التعليمية والتربوية، أي مطالَب بأن يعطي ويبذل ويجتهد، إلا أنه في المقابل يواجَه بواقعٍ سلبي تماماً ندرة في الإمكانات المادية والمعنوية، قلة للوسائل التعليمية والتربوية، رداءة وسوء المباني والمدارس، ضغط العمل والساعات بشكل لا يطاق، انعدام للحوافز ,... الخ.
هذا الواقع السلبي وهذه المطالب الباهظة الملقاة على عاتق المعلم تنتهي به إلى نوع من الإحباط والتشاؤم. ولو قدِّر للمعلم أن ينتقل للعمل في مكان آخر، ولنقل إحدى شركات القطاع الخاص الكبرى التي توفر لموظفيها الإمكانات والحوافز والبعثات وتطوير القدرات لأصبح – بين عشية وضحاها – شخصاً آخرَ ومختلفاً تماماً ؛ شخصاً فاعلاً ومعطاءً. فالعيب ليس فيه، فهو فردٌ وجهده لا يقارن بجهد المؤسسة، ولا يمكن بحال أن نتجاهل أثر الحوافز المعنوية والمادية في نفوس البشر. إنهم مجبولون على حب الثناء وحب التقدير وحب المال. وهذه الجوانب الاعتبارية من أهمّ الجوانب التي أشار إليها علماء النفس. ويجب على المسؤولين في القطاع التعليمي أن يراعوا هذا الجانب، فلا يعقلُ أن تصرَف الملايين على تطوير مادتي الرياضيات والعلوم مثلاً، ولا يصرفُ ريال واحد كحافزٍ لمعلمي هذه المادتين! (ماذا تتوقعون لو تم صرف مكافآت مالية للمعلمين المبدعين بدلاً من الشهادات التي هي حبر على ورق؟ أجزم بأن الغالبية العظمى من المعلمين سيكونون مبدعين!).
إن مادة الرياضيات المطوَّرة لن تجعل الطالب عبقرياً ما لم يكن المعلمُ مطوَّراً هو أيضاً! – ولن يكون كذلك مادام حاله كما وصفنا. أقصد أن الواقع السلبي الذي يعانيه المعلم من ضغط هائل في العمل، ومن كثرة المطالب التي تأتيه من كل حدبٍ وصوب، ومن انعدام الحوافز المادية، ومن غياب البعثات التي هو أحق بها من غيره... كل هذا لن يجعل المعلم مبدعاً في عمله حتى ولو صرفت مليارات الريالات على تطوير مادة أو اثنتين من المواد.
والآن صرنا نسمع بشكوى المعلمين التي رفعوها ضد الوزارة – أقصد المعلمين الذين تم تعيينهم على مستويات أدنى من المستويات المستحقة ومطالباتهم بالفروقات المالية- ويبدو لي أن هذه الشكوى المريرة غيض من فيض، ولا أتوقع أنَّ في تجاهلها خيراً للتربية والتعليم، خصوصاً أن الأوضاع الاقتصادية صارت هاجساً لدى كل مواطن، وأن عدم توفير مستوى مقبول ومأمون من المعيشة سيكون عائقاً في وجه التنمية المراد تحقيقها في التعليم وفي غيره.http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20081221/Con20081221247514.htm