الأولاد والتحرش الجنسي.. مدارس الخطر
د. موفق العيثان
يؤلمني جدا أن أرى- كما القراء الكرام- معاناة طفل أو شاب في بداية الدراسة والحياة ويعاني من اضطرابات نفسية. هذه الاضطرابات النفسية تعيق نموه الجسدي أحيانا، ولكن تعيق أكثر نموه النفسي وثقته بنفسه، وكذلك تؤثر سلبا على دراسته ومستقبله المهني.
ولقد سبق وأن كتبت مؤخرا أن التشخيص السريع والخاطئ الذي يقدم للأسر على أن الطفل يعاني من اضطراب نفسي (مثل اضطراب فرط الحركة وقلة الانتباه، وربما الاكتئاب.....إلخ) من اضطرابات الطفولة، هذا التشخيص هو إهانة للطفل وللإنسان وإصابة على الجرح من جديد.
يعاني الطفل بعد هذا التشخيص السيئ من أدوية تؤثر عليه كثيرا، وتسبب له متاعب في التركيز والاستمتاع بالحياة عند بعض الأطفال. وللأسف فإن الأدوية تعطى للصغار أحيانا مع العلم أنها ممنوعة في الغرب أن تعطى لأقل من 18 سنة، ومكتوب على غلاف علبة الأدوية. معاناة الأهل وحرصهم الشديد يجعلانهم يحاولون كل شيء من غير تأمل وتدبر. نوبة الذعر التي تمر بها الأم أو الأب تجعل تفكيرهما أقل منطقية وأكثر توترا.
لابد من دراسة حالة لتفهم الجوانب النفسية البالغة الحساسية، ولدفع ضرر كبير في المجتمع. في هذا المجال للأسف لابد أن أتكلم -من أجل الإسهام المتواضع القليل جدا في رفع الوعي النفسي في البيت والمدرسة- عن موضوع التحرش الجنسي. مع تغيير نمط الحياة في مجتمعنا بدرجة كبيرة ومتسارعة- شئنا أم أبينا.. شتمنا الظروف أم ترحمنا على زمان ولى..، هذا لا يغير في الحقيقة- مجتمعنا تغير إلى الأبد.
الولد عندنا (في أي مرحلة وبالذات المراهقة) بدأ يمر بخبرات معلوماتية وإعلامية غنية جدا بالمادة والإثارة الجنسية. هذه الاستثارة الجنسية لا يمكن أن تتبخر في الفضاء. بل للأسف تترجم إلى أفكار وعادات سلوكية وانفعالات لا يمكن أن نسميها بالمقبولة أو المتوقعة من قبل الشباب في هذا العمر المبكر جدا. وأكثر من هذا تسبب كثيرا من الاضطرارات النفسية لم نكن نتخيلها أو نتوقعها من قبل10 أو 20 سنة مضت.
الجانب الأكثر إيلاما هو ضحية هؤلاء الأطفال- المراهقين تكون من نفس الجنس والعمر كذلك. كالحالة الأخيرة التي قابلتها لشاب في مقتبل العمر وذكاؤه عال وتحصيله جيد جدا. لكنه عانى من تحرش جنسي على فترات متباعدة من قبل أطفال مراهقين في بيئته العادية (الحارة والمنزل).
كانت الأم بالذات والأب في ذعر لا يمكن تخيله، ومستعدين أن يعملا أي شيء، ولكنهما تعاملا بخبرة سيئة جدا معه بسبب تناول أدوية غير مناسبة لأن التشخيص خطأ والأدوية تتغير من طبيب إلى آخر بسرعة شديدة للأسف.
ما نريد أن نتكلم عنه بنضج وشفافية مؤلمة أحيانا هو أن كل بيئة فيها هذا الخطر الآن أكثر بكثير مما كان يتوقعه الأهل سابقا ( والبنات كذلك في خطر التحرش). ثانيا: هناك خصائص تجعل الولد في هذه المرحلة أكثر عرضة من غيره. الولد في هذا العمر يريد إرضاء أصحابه بدرجة كبيرة. هناك خصائص تخص شكل ونمط وشخصية الطفل يجب أن يهتم بها الأهل لتفادي المشكلة بإذنه تعالى. الولد الوسيم والأكثر متانة والأقل خشونة أكثر عرضة لاهتمام الأولاد الآخرين. الولد الذي به ضعف بالشخصية، ولا يعرف ما يريد ويكون تحت تأثير الآخرين يكون كذلك أكثر عرضة لاهتمام الآخرين من ناحية التحرش.
الأهل بدورهم يمكنهم الاهتمام بشكل يومي بالأولاد وحاجاتهم الجسدية والنفسية بلا انقطاع. يراعون التغيرات التي تحدث على الأطفال بكل يوم وأسبوع وشهر. ومن ثم يعملون من الطفولة المبكرة على تنمية جانب الانفتاح، وتشجيع الطفل على التحدث مع الأهل بصراحة وحرية وبلا حدود عن كل مفردة أو خبرة يمر بها الطفل بالبيت أو المدرسة أو خارجهما. إن تشجيعهم- إذا نفع بإذن الله- فسيساعد الطفل اللجوء للأب والأم لتخفيف مخاوفه، وتفادي الانزلاق مع المجموعة أو الأفراد الذين يقومون بالتحرش أو يريدونه أن يكون ضحية لتحرشهم.
صعوبة الموضوع والظروف والتغيرات التي نمر بها لا تسمح لنا بالسكوت - رمال العالم لا تكفي لنختفي عن مشاكلنا ـ بالتوكل الجاد والأسلوب الهادئ المدروس علميا سنقدم شيئا للأولاد هم بأمس الحاجة إليه. كما أسلفت سابقا من خطورة التحرش الجنسي على المجتمع، كما تشير أبحاث علم النفس العيادي في ثقافات مختلفة، هي أن البعض يعيدون الكرة بعد أن كانوا ضحايا أنفسهم للأسف. فمواجهة المشكلة اليوم ليست ترفا، بل حاجة نفسية وطنية ماسة..للوصول إلى الممكن. هذا واقعنا علينا حل المشكلة.
أسئلة حائرة:
المراهقة والحالات النفسية
أختي في بداية المراهقة وعمرها ثلاث عشرة سنة ونصف الآن وصحتها عموما طيبة وعلاقتها طيبة بالبيت تماما. علاقاتها بالصديقات والقريبات تتوتر بين فترة وأخرى. مشكلتي هي أنها كثيرا ما تتكلم عن مصاعب كبيرة وظلم الأهل لها وصعوبة العيش مع أهلنا، مع العلم أن الواقع تماما معاكس فهي تكون علاقات كبيرة مع البنات عن طريق الشكوى.. ما المشكلة وكيف الحل جزاك الله خيرا..؟
شكرا على التواصل البريدي وطرح مشكلة أختك المراهقة، التي تعيش في بيئة طيبة كما أوضحت. بعض المراهقات يمررن بحالات نفسية لا يمكن تفسيرها تماما بالبيئة التي يعشن بها بل بالحالة الجسدية التي يمررن بها- أي التغييرات الجسدية والنفسية المصاحبة لذلك. إن تفهم وصبر الأهل في هذه المرحلة أحد أهم الحلول لتخفيف الضغط النفسي الذي يمر به بعض المراهقين.
أريد أن أسألك أولا متى بدأت هذه المشكلة؟ وما علاقتها بردة فعل الصديقات مع أختك؟ ربما أن أختك في فترة متوترة أو ضاغطة، جربت التحدث عن مشكلات وهمية لكسب ود وتعاطف الأخيرات. أو ربما أنها لاحظت- وهذا التعلم بالملاحظة- إن بعض البنات عندما يشكين الأهل والأقارب لصديقات يكن محور اهتمام الصديقات. ومع الزمن تعلمت أختك بوعي أو لا وعي كامل بأن التشكي هذا يساعدها اجتماعيا.
يمكنك التحدث معها بهدوء، ومن غير لوم للاستفسار عن فكرتها ومشاعرها عن الموضوع هذا. بإذنه تعالى سترين أن الحديث الهادئ معها يخفف التوتر ويقلل الإنكار ويساعدها على تفهم حالتها بنفسها وهذا إسهام في النمو النفسي والعاطفي.. والله الموفق.
للاستشارات النفسية جريدة الوطن
د. موفق العيثان
يؤلمني جدا أن أرى- كما القراء الكرام- معاناة طفل أو شاب في بداية الدراسة والحياة ويعاني من اضطرابات نفسية. هذه الاضطرابات النفسية تعيق نموه الجسدي أحيانا، ولكن تعيق أكثر نموه النفسي وثقته بنفسه، وكذلك تؤثر سلبا على دراسته ومستقبله المهني.
ولقد سبق وأن كتبت مؤخرا أن التشخيص السريع والخاطئ الذي يقدم للأسر على أن الطفل يعاني من اضطراب نفسي (مثل اضطراب فرط الحركة وقلة الانتباه، وربما الاكتئاب.....إلخ) من اضطرابات الطفولة، هذا التشخيص هو إهانة للطفل وللإنسان وإصابة على الجرح من جديد.
يعاني الطفل بعد هذا التشخيص السيئ من أدوية تؤثر عليه كثيرا، وتسبب له متاعب في التركيز والاستمتاع بالحياة عند بعض الأطفال. وللأسف فإن الأدوية تعطى للصغار أحيانا مع العلم أنها ممنوعة في الغرب أن تعطى لأقل من 18 سنة، ومكتوب على غلاف علبة الأدوية. معاناة الأهل وحرصهم الشديد يجعلانهم يحاولون كل شيء من غير تأمل وتدبر. نوبة الذعر التي تمر بها الأم أو الأب تجعل تفكيرهما أقل منطقية وأكثر توترا.
لابد من دراسة حالة لتفهم الجوانب النفسية البالغة الحساسية، ولدفع ضرر كبير في المجتمع. في هذا المجال للأسف لابد أن أتكلم -من أجل الإسهام المتواضع القليل جدا في رفع الوعي النفسي في البيت والمدرسة- عن موضوع التحرش الجنسي. مع تغيير نمط الحياة في مجتمعنا بدرجة كبيرة ومتسارعة- شئنا أم أبينا.. شتمنا الظروف أم ترحمنا على زمان ولى..، هذا لا يغير في الحقيقة- مجتمعنا تغير إلى الأبد.
الولد عندنا (في أي مرحلة وبالذات المراهقة) بدأ يمر بخبرات معلوماتية وإعلامية غنية جدا بالمادة والإثارة الجنسية. هذه الاستثارة الجنسية لا يمكن أن تتبخر في الفضاء. بل للأسف تترجم إلى أفكار وعادات سلوكية وانفعالات لا يمكن أن نسميها بالمقبولة أو المتوقعة من قبل الشباب في هذا العمر المبكر جدا. وأكثر من هذا تسبب كثيرا من الاضطرارات النفسية لم نكن نتخيلها أو نتوقعها من قبل10 أو 20 سنة مضت.
الجانب الأكثر إيلاما هو ضحية هؤلاء الأطفال- المراهقين تكون من نفس الجنس والعمر كذلك. كالحالة الأخيرة التي قابلتها لشاب في مقتبل العمر وذكاؤه عال وتحصيله جيد جدا. لكنه عانى من تحرش جنسي على فترات متباعدة من قبل أطفال مراهقين في بيئته العادية (الحارة والمنزل).
كانت الأم بالذات والأب في ذعر لا يمكن تخيله، ومستعدين أن يعملا أي شيء، ولكنهما تعاملا بخبرة سيئة جدا معه بسبب تناول أدوية غير مناسبة لأن التشخيص خطأ والأدوية تتغير من طبيب إلى آخر بسرعة شديدة للأسف.
ما نريد أن نتكلم عنه بنضج وشفافية مؤلمة أحيانا هو أن كل بيئة فيها هذا الخطر الآن أكثر بكثير مما كان يتوقعه الأهل سابقا ( والبنات كذلك في خطر التحرش). ثانيا: هناك خصائص تجعل الولد في هذه المرحلة أكثر عرضة من غيره. الولد في هذا العمر يريد إرضاء أصحابه بدرجة كبيرة. هناك خصائص تخص شكل ونمط وشخصية الطفل يجب أن يهتم بها الأهل لتفادي المشكلة بإذنه تعالى. الولد الوسيم والأكثر متانة والأقل خشونة أكثر عرضة لاهتمام الأولاد الآخرين. الولد الذي به ضعف بالشخصية، ولا يعرف ما يريد ويكون تحت تأثير الآخرين يكون كذلك أكثر عرضة لاهتمام الآخرين من ناحية التحرش.
الأهل بدورهم يمكنهم الاهتمام بشكل يومي بالأولاد وحاجاتهم الجسدية والنفسية بلا انقطاع. يراعون التغيرات التي تحدث على الأطفال بكل يوم وأسبوع وشهر. ومن ثم يعملون من الطفولة المبكرة على تنمية جانب الانفتاح، وتشجيع الطفل على التحدث مع الأهل بصراحة وحرية وبلا حدود عن كل مفردة أو خبرة يمر بها الطفل بالبيت أو المدرسة أو خارجهما. إن تشجيعهم- إذا نفع بإذن الله- فسيساعد الطفل اللجوء للأب والأم لتخفيف مخاوفه، وتفادي الانزلاق مع المجموعة أو الأفراد الذين يقومون بالتحرش أو يريدونه أن يكون ضحية لتحرشهم.
صعوبة الموضوع والظروف والتغيرات التي نمر بها لا تسمح لنا بالسكوت - رمال العالم لا تكفي لنختفي عن مشاكلنا ـ بالتوكل الجاد والأسلوب الهادئ المدروس علميا سنقدم شيئا للأولاد هم بأمس الحاجة إليه. كما أسلفت سابقا من خطورة التحرش الجنسي على المجتمع، كما تشير أبحاث علم النفس العيادي في ثقافات مختلفة، هي أن البعض يعيدون الكرة بعد أن كانوا ضحايا أنفسهم للأسف. فمواجهة المشكلة اليوم ليست ترفا، بل حاجة نفسية وطنية ماسة..للوصول إلى الممكن. هذا واقعنا علينا حل المشكلة.
أسئلة حائرة:
المراهقة والحالات النفسية
أختي في بداية المراهقة وعمرها ثلاث عشرة سنة ونصف الآن وصحتها عموما طيبة وعلاقتها طيبة بالبيت تماما. علاقاتها بالصديقات والقريبات تتوتر بين فترة وأخرى. مشكلتي هي أنها كثيرا ما تتكلم عن مصاعب كبيرة وظلم الأهل لها وصعوبة العيش مع أهلنا، مع العلم أن الواقع تماما معاكس فهي تكون علاقات كبيرة مع البنات عن طريق الشكوى.. ما المشكلة وكيف الحل جزاك الله خيرا..؟
شكرا على التواصل البريدي وطرح مشكلة أختك المراهقة، التي تعيش في بيئة طيبة كما أوضحت. بعض المراهقات يمررن بحالات نفسية لا يمكن تفسيرها تماما بالبيئة التي يعشن بها بل بالحالة الجسدية التي يمررن بها- أي التغييرات الجسدية والنفسية المصاحبة لذلك. إن تفهم وصبر الأهل في هذه المرحلة أحد أهم الحلول لتخفيف الضغط النفسي الذي يمر به بعض المراهقين.
أريد أن أسألك أولا متى بدأت هذه المشكلة؟ وما علاقتها بردة فعل الصديقات مع أختك؟ ربما أن أختك في فترة متوترة أو ضاغطة، جربت التحدث عن مشكلات وهمية لكسب ود وتعاطف الأخيرات. أو ربما أنها لاحظت- وهذا التعلم بالملاحظة- إن بعض البنات عندما يشكين الأهل والأقارب لصديقات يكن محور اهتمام الصديقات. ومع الزمن تعلمت أختك بوعي أو لا وعي كامل بأن التشكي هذا يساعدها اجتماعيا.
يمكنك التحدث معها بهدوء، ومن غير لوم للاستفسار عن فكرتها ومشاعرها عن الموضوع هذا. بإذنه تعالى سترين أن الحديث الهادئ معها يخفف التوتر ويقلل الإنكار ويساعدها على تفهم حالتها بنفسها وهذا إسهام في النمو النفسي والعاطفي.. والله الموفق.
للاستشارات النفسية جريدة الوطن