[URL="http://www.al-madina.com/sites/all/themes/madina/logo.png"]
[/URL]
الخميس, 29 أكتوبر 2009
فيصل سعد الجهني
كنت قد خضت الأسبوع الماضي في تضاريس فضائنا التعليمي من خلال الحديث عن فوضى خطابات المؤسسة التي تنطلق من أروقتها خطط وبرامج التعليم، ثم أهمية وجود أو (إيجاد) المعلم الحقيقي الممارس لغايات وأهداف التعليم النبيلة، في اللحظة ذاتها التي يطمئن فيها ذلك المعلم إلى تحقيق كافة استحقاقاته وتوفير البيئة المناسبة له للبذل والعطاء والإبداع.
في هذه القراءة الجديدة أحاول مقاربة عناصر أخرى مؤثرة في صياغة أية بنية تعليمية، زاعما (مصيرية) العناية بالتفاصيل الآتية:
أولاً: ما يتعلق بـ(الإدارة المدرسية):
1- الاختيار الدقيق للهياكل الإدارية داخل المدارس، خاصة ما يرتبط بـ(مدير المدرسة) تحديدا، إذ لابد أن تتوافر في ذلك المتوج على عرش الشرفات المدرسية القدرة العلمية والثقافية والخبرة التعليمية التربوية والشخصية الإدارية الناجحة بشروط الحكمة والاتزان والرغبة الخالصة في الإنتاج والتطوير. أحد معالم (تضاريس الوجع التعليمي) أن في مدارسنا الكثير من نماذج إدارية فارغة (تماما) من أية اهتمامات معرفية (رئيسة) ، بعيدة عن هاجس متابعة ما يضطرم في ساحات العلم والمثاقفة، فاقدة الاتصال (حتماً) بأبرز تجليات المنظومة الثقافية الكلية في زمن القرية المعلوماتية الواحدة، فضلاً عن المنظومتين المحلية والعربية. في مدارسنا نماذج إدارية تفتقر عقلياتها لكل طيف معرفي يجعل الوعي الإنساني مرتبطا بالضرورة بمفاهيم الحضارة، ويجعل من المدرسة -بالتالي- سبيلاً إلى إحداث أثر ما في تشكيل حضارة الوطن والإنسان.
2- ضبط نظام تنقلات مديري المدارس، الذي أصبح (لازمة) تعليمية في آخر كل عام دراسي، فلا أجد تفسيراً بمعيارية النظام، أو بقرار المصلحة العامة يتم نقل معظمهم في العام التالي لمباشرتهم في مدرسة ما، وهم لا يزالون يستعدون في إنفاذ أول مشاريعهم الهادفة للنهوض بمدارسهم ماديا ومعرفيا.
3- لماذا لا تجرب الوزارة -مثلاً- فكرة (تدوير) إدارة المدرسة بين معلمي المدرسة ذاتهم، بطريقة الترشيح بينهم كل عامين دراسيين، أليس المعلمون الذين قضوا في إحدى المدارس عقداً من الزمن مثلاً، وأكثرهم تنطبق عليه مواصفات إدارية حقيقية، ويمتلك شهادات علمية عُليا هم أجدر بإدارة مدرستهم من ضيف يأتيهم من بعيد؟.
ثانياً: ما يتعلق بمجموعات الإشراف التربوي:
هذه المجموعات تمحورت خطط وممارسات عملها حول الارتقاء بكفاءة المعلمين ومتابعة أدائهم لاتخاذ الحلول المناسبة مع اختلاف قدرات المعلمين. ولكن المتابع الدقيق للميدان يلمس ضآلة الأثر مع سلطة المفهوم! للدرجة التي تشكل هذه المجموعات (الهائلة) وفق آلياتها الآنية عبئاً حقيقياً على البيئة التعليمية العامة، من منطلقات عدة، فهل نحن في حاجة لهؤلاء المشرفين، إذا ما توخينا الحرص في أهمية وجود المعلم الحقيقي؟
ثم هل أن اختيار هؤلاء (المشرفين) حدث وفق معايير علمية موضوعية صحيحة؟. هل يكفي لقاء واحد بين المشرف والمعلم لساعة واحدة على الأكثر خلال العام الدراسي كله للوفاء بغايات التطوير والإشراف ونقل التجارب الجادة المثمرة ثم صياغة درجة الأداء الوظيفي صياغة دقيقة؟ الحل الأمثل -كما أرى- في ضرورة إقرار ما يسمى بـ(المعلم الأول) في كل تخصص دراسي، والذي ربما يقدر بكفاءة المعايير المعرفية والمهنية وبالعلاقة الإنسانية الوطيدة بينه وبين زملائه على أداء أبرز غايات المجموعة الإشرافية السابقة.
ثالثاً: ما يتعلق بمقصد العملية التعليمية برمتها.. الطالب
الحقيقة الموجعة -بعد كل ذلك الصخب- أن طالب (اليوم) غير قادر على صنع شيء إيجابي لنفسه ولوطنه ومجتمعه أبداً، جيل فارغ بكل المقاييس، متجرد من أية اهتمامات معرفية وعلمية وحضارية ووطنية. جيل من طلاب المدارس يكره عالمه المدرسي ويزدريه ولا يحتفي بمخرجاته أبداً.
أزعم -كذلك- أنه بالإمكان في لحظة ما، إعادة إنتاج النموذج الحقيقي لطالب العلم- مع غياب الوعي الثقافي للمجتمع كله أيضا- متى ما قدرنا بتعبئة توعوية هائلة تشترك في حشدها أبرز المؤسسات الحكومية ذات الصلة (وزارة الثقافة والإعلام، المؤسسة العامة لرعاية الشباب، المؤسسات المعنية بالخطاب الديني..) على ترسيخ قيمة المدرسة وتجلياتها في عقول الناشئة، وتوفير أهم المعطيات العلمية والثقافية والترفيهية والجمالية داخل كل (كل) البيئات المدرسية في مدننا وهجرنا. ثم ما المانع أن نجرب عدة إجراءات (بديلة) تمنح الطالب شكلاً ما من أشكال الحرية المحمودة التي -ربما- تقود لاوعيه الباطن إلى المسارعة بحب وشغف إلى مدرسته؟، ما المانع -على سبيل المثال- أن يترك الطالب يقرر مصيره حضوراً أو غياباً في اللحظة التي يدرك فيها قبل غيره أن غياب ثمانية أيام -مثلاً- في الفصل الدراسي الواحد، من غير تقديم عذر مقنن سلفا سيحرمه مباشرة من الاستمرار في الدراسة لذات السنة؟
الخميس, 29 أكتوبر 2009
فيصل سعد الجهني
كنت قد خضت الأسبوع الماضي في تضاريس فضائنا التعليمي من خلال الحديث عن فوضى خطابات المؤسسة التي تنطلق من أروقتها خطط وبرامج التعليم، ثم أهمية وجود أو (إيجاد) المعلم الحقيقي الممارس لغايات وأهداف التعليم النبيلة، في اللحظة ذاتها التي يطمئن فيها ذلك المعلم إلى تحقيق كافة استحقاقاته وتوفير البيئة المناسبة له للبذل والعطاء والإبداع.
في هذه القراءة الجديدة أحاول مقاربة عناصر أخرى مؤثرة في صياغة أية بنية تعليمية، زاعما (مصيرية) العناية بالتفاصيل الآتية:
أولاً: ما يتعلق بـ(الإدارة المدرسية):
1- الاختيار الدقيق للهياكل الإدارية داخل المدارس، خاصة ما يرتبط بـ(مدير المدرسة) تحديدا، إذ لابد أن تتوافر في ذلك المتوج على عرش الشرفات المدرسية القدرة العلمية والثقافية والخبرة التعليمية التربوية والشخصية الإدارية الناجحة بشروط الحكمة والاتزان والرغبة الخالصة في الإنتاج والتطوير. أحد معالم (تضاريس الوجع التعليمي) أن في مدارسنا الكثير من نماذج إدارية فارغة (تماما) من أية اهتمامات معرفية (رئيسة) ، بعيدة عن هاجس متابعة ما يضطرم في ساحات العلم والمثاقفة، فاقدة الاتصال (حتماً) بأبرز تجليات المنظومة الثقافية الكلية في زمن القرية المعلوماتية الواحدة، فضلاً عن المنظومتين المحلية والعربية. في مدارسنا نماذج إدارية تفتقر عقلياتها لكل طيف معرفي يجعل الوعي الإنساني مرتبطا بالضرورة بمفاهيم الحضارة، ويجعل من المدرسة -بالتالي- سبيلاً إلى إحداث أثر ما في تشكيل حضارة الوطن والإنسان.
2- ضبط نظام تنقلات مديري المدارس، الذي أصبح (لازمة) تعليمية في آخر كل عام دراسي، فلا أجد تفسيراً بمعيارية النظام، أو بقرار المصلحة العامة يتم نقل معظمهم في العام التالي لمباشرتهم في مدرسة ما، وهم لا يزالون يستعدون في إنفاذ أول مشاريعهم الهادفة للنهوض بمدارسهم ماديا ومعرفيا.
3- لماذا لا تجرب الوزارة -مثلاً- فكرة (تدوير) إدارة المدرسة بين معلمي المدرسة ذاتهم، بطريقة الترشيح بينهم كل عامين دراسيين، أليس المعلمون الذين قضوا في إحدى المدارس عقداً من الزمن مثلاً، وأكثرهم تنطبق عليه مواصفات إدارية حقيقية، ويمتلك شهادات علمية عُليا هم أجدر بإدارة مدرستهم من ضيف يأتيهم من بعيد؟.
ثانياً: ما يتعلق بمجموعات الإشراف التربوي:
هذه المجموعات تمحورت خطط وممارسات عملها حول الارتقاء بكفاءة المعلمين ومتابعة أدائهم لاتخاذ الحلول المناسبة مع اختلاف قدرات المعلمين. ولكن المتابع الدقيق للميدان يلمس ضآلة الأثر مع سلطة المفهوم! للدرجة التي تشكل هذه المجموعات (الهائلة) وفق آلياتها الآنية عبئاً حقيقياً على البيئة التعليمية العامة، من منطلقات عدة، فهل نحن في حاجة لهؤلاء المشرفين، إذا ما توخينا الحرص في أهمية وجود المعلم الحقيقي؟
ثم هل أن اختيار هؤلاء (المشرفين) حدث وفق معايير علمية موضوعية صحيحة؟. هل يكفي لقاء واحد بين المشرف والمعلم لساعة واحدة على الأكثر خلال العام الدراسي كله للوفاء بغايات التطوير والإشراف ونقل التجارب الجادة المثمرة ثم صياغة درجة الأداء الوظيفي صياغة دقيقة؟ الحل الأمثل -كما أرى- في ضرورة إقرار ما يسمى بـ(المعلم الأول) في كل تخصص دراسي، والذي ربما يقدر بكفاءة المعايير المعرفية والمهنية وبالعلاقة الإنسانية الوطيدة بينه وبين زملائه على أداء أبرز غايات المجموعة الإشرافية السابقة.
ثالثاً: ما يتعلق بمقصد العملية التعليمية برمتها.. الطالب
الحقيقة الموجعة -بعد كل ذلك الصخب- أن طالب (اليوم) غير قادر على صنع شيء إيجابي لنفسه ولوطنه ومجتمعه أبداً، جيل فارغ بكل المقاييس، متجرد من أية اهتمامات معرفية وعلمية وحضارية ووطنية. جيل من طلاب المدارس يكره عالمه المدرسي ويزدريه ولا يحتفي بمخرجاته أبداً.
أزعم -كذلك- أنه بالإمكان في لحظة ما، إعادة إنتاج النموذج الحقيقي لطالب العلم- مع غياب الوعي الثقافي للمجتمع كله أيضا- متى ما قدرنا بتعبئة توعوية هائلة تشترك في حشدها أبرز المؤسسات الحكومية ذات الصلة (وزارة الثقافة والإعلام، المؤسسة العامة لرعاية الشباب، المؤسسات المعنية بالخطاب الديني..) على ترسيخ قيمة المدرسة وتجلياتها في عقول الناشئة، وتوفير أهم المعطيات العلمية والثقافية والترفيهية والجمالية داخل كل (كل) البيئات المدرسية في مدننا وهجرنا. ثم ما المانع أن نجرب عدة إجراءات (بديلة) تمنح الطالب شكلاً ما من أشكال الحرية المحمودة التي -ربما- تقود لاوعيه الباطن إلى المسارعة بحب وشغف إلى مدرسته؟، ما المانع -على سبيل المثال- أن يترك الطالب يقرر مصيره حضوراً أو غياباً في اللحظة التي يدرك فيها قبل غيره أن غياب ثمانية أيام -مثلاً- في الفصل الدراسي الواحد، من غير تقديم عذر مقنن سلفا سيحرمه مباشرة من الاستمرار في الدراسة لذات السنة؟